بَدَنِهِ فَيَكُونُ حَدَثًا كَالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ غُسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ غُسْلِهِ لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى مِنْ بَدَنِهِ فَلَا تَتَغَيَّرُ صِفَةُ طَهَارَةِ بَدَنِهِ، ثُمَّ حَاصِلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الدَّمَ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ حَتَّى انْحَدَرَ انْتَقَضْ بِهِ الْوُضُوءُ، وَإِنْ لَمْ يَنْحَدِرْ، وَلَكِنَّهُ عَلَا فَصَارَ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ لَمْ تُنْتَقَضَ بِهِ الطَّهَارَةُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ إنْ مَسَحَهُ قَبْلَ أَنْ يَسِيلَ فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ تُرِكَ لَسَالَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَسِلْ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ فِي الدَّمِ إذْ سَالَ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ فَهُوَ حَدَثٌ، وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ (فَإِنْ بَزَقَ فَخَرَجَ مِنْ بُزَاقِهِ دَمٌ فَإِنْ كَانَ الْبُزَاقُ هُوَ الْغَالِبُ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الدَّمَ مَا خَرَجَ بِقُوَّةِ نَفَسِهِ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ الْبُزَاقُ، وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ (وَإِنْ كَانَ الدَّمُ هُوَ الْغَالِبُ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ)؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ بِقُوَّةِ نَفَسِهِ.
وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَفِي الْقِيَاسِ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ بِصِفَةِ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ فِي شَكٍّ مِنْ الْحَدَثِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ الْبُزَاقُ سَائِلٌ بِقُوَّةِ نَفَسِهِ فَمَا سَاوَاهُ يَكُونُ سَائِلًا بِقُوَّةِ نَفَسِهِ أَيْضًا. ثُمَّ اعْتِبَارُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَاعْتِبَارُ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَالْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ أَوْلَى لِقَوْلِهِ ﷺ «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ، وَالْحَرَامُ فِي شَيْءٍ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ».
وَفِي الْكِتَابِ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِمَا بَيَّنَّا.
قَالَ (وَالْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَالتَّبَسُّمُ لَا يَنْقُضُهُ) أَمَّا التَّبَسُّمُ فَلِحَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ «مَا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَّا تَبَسَّمَ، وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ»، وَرُوِيَ «أَنَّهُ ﷺ تَبَسَّمَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ ﵊ فَقَالَ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا» فَدَلَّ أَنَّ التَّبَسُّمَ لَا يَضُرُّ الْمُصَلِّي فَأَمَّا الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ قِيَاسًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ﵀؛ لِأَنَّ انْتِقَاضَ الْوُضُوءِ يَكُونُ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا حَدَثًا لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ الصَّلَاةِ، وَغَيْرِهَا كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ، وَقَاسَ بِالْقَهْقَهَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَاسْتَحْسَنَ عُلَمَاؤُنَا ﵏ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - إذْ أَقْبَلَ أَعْمَى فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ، أَوْ رَكِيَّةٍ هُنَاكَ فَضَحِكَ بَعْضُ الْقَوْمِ فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ، وَالصَّلَاةَ».
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ ﵁ قَالَ قَالَ
1 / 77