الْأَخِيرَتَيْنِ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ عَامِدًا كَانَ مُسِيئًا، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالسُّكُوتِ وَلَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا سَاهِيًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ. فَسُجُودُ السَّهْوِ يَجِبُ بِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ السُّنَنِ الْمُضَافَةِ إلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ إذَا سَكَتَ قَائِمًا كَانَ سَامِدًا مُتَحَيِّرًا، وَتَفْسِيرُ السَّامِدِ الْمُعْرِضُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ فَقَالَ: «مَالِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ».
قَالَ (ثُمَّ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لَا تَتَعَيَّنُ رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ عِنْدَنَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَتَعَيَّنُ حَتَّى لَوْ تَرَكَ حَرْفًا مِنْهَا فِي رَكْعَةٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»، وَبِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى قِرَاءَتِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ﴾ [المزمل: ٢٠] فَتَعْيِينُ الْفَاتِحَةِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى هَذَا النَّصِّ، وَهُوَ يَعْدِلُ النَّسْخَ عِنْدَنَا، فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، ثُمَّ الْمَقْصُودُ التَّعْظِيمُ بِاللِّسَانِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ دُونَ الْعِلْمِ فَتَعَيُّنُ الْفَاتِحَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَاجِبٌ حَتَّى يُكْرَهَ لَهُ تَرْكُ قِرَاءَتِهَا وَتَثْبُتَ الرُّكْنِيَّةُ بِالنَّصِّ، وَهُوَ الْآيَةُ، وَلَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ ﵊: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا أَوْ قَالَ وَشَيْءٍ مَعَهَا»، وَنَحْنُ نُوجِبُ الْعَمَلَ بِهَذَا الْخَبَرِ حَتَّى لَا نَأْذَنَ لَهُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَلَكِنْ لَا نُثْبِتُ الرُّكْنِيَّةَ بِهِ لِلْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَا.
قَالَ: (وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ كَبَّرَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: «كَانَ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي إلَى الرُّكُوعِ»، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَلَا عِنْدَ السُّجُودِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَأَصْحَابِهِ، وَيَرْوُونَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ، فَأَمَّا عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَكَانُوا يُكَبِّرُونَ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا ﵁ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ يَوْمًا فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ﵁ وَقَالَ ذَكَّرَنِي هَذَا الْفَتَى صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، أَوْ قَالَ: عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ»، وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عُثْمَانَ ﵁ كَانَ لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ أَيْ جَهْرًا أَيْ يُخَافِتُ بِآخِرِ التَّكْبِيرِ كَمَا هُوَ عَادَةُ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ.
قَالَ: (وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ)، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ - وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
1 / 19