علم الجمال
هناك فرع آخر من فروع علم النفس يبحث في الشعور الذي ينبعث عن الشيء الجميل، والذي يستحق الإعجاب، أو عكسهما؛ أعني القبيح والمزدرى.
إن في حواسنا - ولا سيما حاستي السمع والبصر - أليافا بها نشعر باللذة إذا سمعنا بعض الأوصاف أو رأينا بعض المناظر، وإن المناظر الطبيعية العديدة في بهائها وجمالها وعظمها، وتوقيع الموسيقيين في تناسقه، وصور المصورين وتماثيلهم،
1
وقراءة الشعر الجميل وسماعه؛ ليحدث في نفوسنا أريحية ويبعث في قلوبنا هزة طرب؛ فطورا نلفظ بما يدل على شعورنا فنهتف : «ما أجمله وما أبدعه! إنه لمنسق وإنه لرشيق.» وطورا نتدرع بالصمت إذ لم نجد قولا يعبر عن شعورنا، وإنا لنسر برؤية الشيء ونعجب به ولو كنا لا نملكه، بل قد:
يزيدك وجهه حسنا
إذا ما زدته نظرا
إن الجميل ترتاح له النفس، وينشرح له الصدر، أما القبيح فينشأ عنه شعور بألم أو نفور، قال «نيتشه»: «كل ما كان قبيحا يضعف الإنسان ويقبض صدره؛ إذ يذكره بالانحطاط والخطر والوهن.»
فإحساس الإنسان بشيء من الضيق يؤذن بحدوث شيء «قبيح»، وقد ذكرنا أن الجميل ترتاح له النفس، ولكن ليس كل ما ترتاح له النفس جميلا؛ ذلك لأن اللذة التي تحدث من الجمال نتيجة تأثير في العقل بواسطة الحواس، ولست أعني كل الحواس، وإنما أعني الحواس الراقية، وهي حاستا السمع والبصر، فليس كل ما يلذ لحاستي اللمس والشم دائما جميلا، فلا شيء من الجمال في فاكهة لذيذة عند أكلها، ولا في مطعوم عندما نطعمه؛ إذ لا يوصف ذوق تفاحة ولا شم مشموم بأنه جميل، وإنما يقال: طعام مستطاب، ورائحة طيبة.
والجميل أيضا يغاير النافع؛ فإن الشيء الجميل حقا الذي يمنحك لذة لا تكافئها لذة بالتأمل في محاسنه، أو بالإصغاء إلى تناسق نغماته، ليس بنافع عادة - أعني أنه ليس بنافع ماديا وإن كان من المحتمل أن يكون نافعا من الوجهة الأدبية - وما يحدث من اللذة والسرور عند التأمل في الجمال مقصود لذاته لا لشيء آخر وراءه يرغب فيه، وقد كان الفيلسوف الألماني «كانت» أول من أبان أنه مقصد لا وسيلة لغيره.
Halaman tidak diketahui