ولقد كان الطغاة والمفسدون من الأجانب والمحليين قد أطلقوا عنانهم وأودعوا محاسن ومساوئ الراحة إلى ريح الفتنة والإغارة، فلا نظام للجيش ولا انتظام للرعية ولا قوام للعمل ولا مكان ولا مقام لملتزمى الركاب ولا قلعة للحماية كى تستخدم للعمل فى الهجوم، ولا شهرة ولا إنجاز من المشاة والفرسان، كى يحسب حسابها فى ميدان ساحة الحرب ووقت المعركة، فتبعثر عقد نظم أمور الرعية والجيش وتفكك كتاب الملك والأمة، وكان قد أشعل النار الظالمة من كل ناحية الحكام الطامعون فى جلب منافع عبدة الأهواء بالإغارة على الأموال التى بين أيديهم، وأحرقوا البيوت من أجل جمع الخزائن، فهبط حضرة ولى العهد الذى هو رحمة فى حسن الصورة ومعنى الآية «1»، وهو ملك فى صورة" أحسن التقويم" «2» والذى جاء متمكنا بيد البذل على عرش دولة السماء، وهو الأمير، وهو صاحب الدولة المتناسق الأعضاء، وهو سامى الفطرة وملائكى الطلعة ونور عين السلطنة وروح جسم العظمة، وهو العين المتأملة لإحدى بصائره مع نور ضياء الحضور ومسلك الحلم والحياء، وهو عاص على المعاصى منذ بداية عمره الغالى الذى يزيد عن الرابعة والثلاثين «3»، وبالرغم من وجود القدرة الملكية فهو يعرض عن المناهى والملاهى وينشر محامد أفعاله ويبث مكارم أعماله، وتسبق رحمته على غضبه [؟؟!!]، ولا يلتفت إلى التقصير فى خدمة العبيد الباذلين لأرواحهم، وهو يستولى على خاتم غيرة دينه من الشيطان كسليمان «4» ولا يتقطب ولا يعبس وجهه عند هجوم الحوادث ونزول المصائب بسبب وفرة توكله، ويده قوية وغنية فى العطايا، وقلبه فى وسع البحر من بدر عظمة طبعه، وقلبه الصغير شجاع فى القصر والميدان، وهو باذل أكثر أوقاته فى الغزوات ومتوجه للحرب والقتال بالنفس الغالية [ص 129] وملتزم بالحملات واندحار الرايات، وهو فى غاية العطف والرأفة مع مرءوسيه ورعاياه، وأنه لو كان يطول سفر حضرته قليلا فى الغزو والجهاد، لكان الظن بالقلق والاضطراب والخوف، وكان الصغير والكبير فى هذه الولاية يضع له النذور، فحتى العجائز والشيوخ كانوا يحملون رأس مال مغزلهم إلى السوق ويبيعونه، وكانوا يؤثرونه فى سبيل الله بنية سلامة ذاته الكاملة الصفات، فإكليل الدولة مزين بظل قمة رأسه وأيوان العظمة والشوكة موضع حسد وغيرة الروض بشعاع سعادة قدومه، وقانونه عدل إلى درجة أن الجيش صاحب الظفر كان ينزل لفترة على جانب مزارع وحدائق الشعب ولم يكن يقطف شخص سنبلة، ولم يكن يصل الضرر إلى تفاحة بلا رحمة ويسبب عدم النظام، ولا يشرب شخص قدرا من النشا بسبب خوفه من شرطة احتسابه ولا يتحصل على دينار من القمار، وقد أخفى اللصوص وقطاع الطرق رءوسهم داخل فتحة ثوب الخمول، وانزووا فى زوايا الأغوار خوفا من المحاكمة، فذات مرة كان لجمع من الطوائف سكن بالقرب من المعسكر، وضاعت بقرتهم العجوز، وكانت قد وقعت فى المعسكر من نفسها بسبب ضعفها ومرضها، وعرضت بقرتهم بدون لجام الرأس بضاعتها على خيام المعسكر، وكانت تدور وتلف فى وسط المعسكر، ولم يكن شخص فى حاجة إلى مساعدة لكى يسوقها ويخفيها عن أعين الناس أو يقيدها من أقدامها ويحلب لبنها لنفسه، إلى أن نهضت عجوز وأخذت بقرتها وأوصلتها إلى منزلها.
Halaman 165