155

Ma'a Al-Mushakikin Fi Al-Sunnah

مع المشككين في السنة

Penyiasat

فاروق يحيى محمد الحاج

Genre-genre

- أو أغناه بغنى النفس الذي لا يعدله كنوز الأرض كلها. فكل ذلك ثابت في حقه ﷺ (^١).

(^١) قال الشنقيطي: «لقد كان فقيرًا من المال فأغناه الله بمال عمه ... ثم أغناه الله بمال خديجة، حيث جعلت مالها تحت يده ... ثم كانت الهجرة وكانت مواساة الأنصار، لقد قدم المدينة تاركًا ماله ومال خديجة، حتى إن الصديق ليدفع ثمن المربد لبناء المسجد، وكان بعد ذلك فيء بني النضير، وكان يقضي الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد في بيته ﷺ نار، إنما هما الأسودان: التمر والماء.
ثم جاءت غنائم حنين فأعطى عطاء من لا يخشى الفقر ورجع بدون شيء، وجاء مال البحرين فأخذ العباس ما يطيق حمله، وأخيرًا تُوفي ﷺ ودرعه مرهونة في آصع من شعير.
وقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)﴾ [الضحى:٨] يشير إلى هذا الموضع; لأن (أَغْنَى) تعبير بالفعل، وهو يدل على التجدد والحدوث، فقد كان ﷺ من حيث المال حالًا فحالًا، والواقع أن غناه ﷺ كان قبل كل شيء هو غنى النفس والاستغناء عن الناس، ويكفي أنه ﷺ أجود الناس، وكان إذا لقيه جبريل ودارسه القرآن كالريح المرسلة». أضواء البيان للشنقيطي (٨/ ٥٦٢).
وكذلك مما أغنى الله ﷿ به نبيه ﷺ: الغنائم والفَيء والصَّفيّ، وهدايا الصحابة ﵃ وهدايا الملوك وغيرهم.
ثانيًا: ليس بمستنكر في العقل ولا العرف ولا الواقع أن يقترض الغني لسبب من الأسباب، كتأخر الحصاد مثلًا، أو نفاد محصوله، أو ضخ رأس ماله كله في مشروع تجاري، أو إنفاق جميع ما معه من أموال في وجوه الخير، كما هو حال النبي ﷺ، ونحو ذلك.
وهذه الدول الكبرى الغنية لم تزل ولا تزال تقترض لسد العجز الحاصل في ميزانيتها، ولا لوم عليها في ذلك. ولم يشنع عليها أحد لأجل ذلك كما شنع هذا المشكك.
ثالثًا: ليس في الاقتراض أي عيب على الشخص حتى ولو كان غنيًا، وكذلك أيضًا ليس فيه أي عيب إذا اقترض من غير بني جنسه خاصة إذا كان في مقابل رهن، كما فعل النبي ﷺ؛ وذلك لأنه:
١ - مما جرى به العرف بين الناس.
٢ - أنه قائم على السداد ولو بعد حين.
وإذا لم يسدد المقترض لعجز أو موت فإن الدائن يملك الرهن شرعًا وعرفًا وقانونًا.
رابعًا: أما كون النبي ﷺ اقترض من يهودي وليس من مسلم فلعله لم يكن عند المسلمين بغيته من الطعام في ذلك الوقت، أو لعله من باب تقريب اليهودي إلى الإسلام. وفوق كل ذلك فعله لبيان الجواز في هذا النوع من المعاملة وغيرها مع أهل الكتاب.
خامسًا: ذكر ابن حجر في "الفتح" عن ابن الطلاع في كتابه "الأقضية النبوية": «أن أبا بكر افتك الدرع بعد النبي ﷺ» (^١).
ثم قال بعد ذلك: «لكن روى ابن سعد (^٢) عن جابر: (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَضَى عِدَاتِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَنَّ عَلِيًّا قضى دُيُونه) (^٣)» (^٤). وكل ذلك محتمل.

(^١) فتح الباري لابن حجر (٥/ ١٤٢).
(^٢) يعني: في الطبقات الكبرى.
(^٣) ولفظ الحديث عند ابن سعد: عن جابر ﵁ قال: (قَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ دَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَضَى أَبُو بَكْرٍ عِدَاتِهِ). الطبقات الكبرى لابن سعد (٢/ ٢٤٣).
(^٤) فتح الباري لابن حجر (٥/ ١٤٢).

1 / 156