Ma Wara Adyan
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
Genre-genre
ومثلما أشرت سابقا، من المهم في جميع المراحل الثلاث لهذه الممارسة، أن ندمج العمليات الاستطرادية والتحليلية مع التوقف بالعقل لاستيعاب نقطة واحدة من النقاط الحاسمة. وهذا المزيج يسمح لتأثيرات الممارسة بالتغلغل إلى عقلك بعمق، حتى يبدأ في إحداث تأثير حقيقي في حياتك اليومية. (8) عقبات أمام ممارسة التنمية العقلية الجيدة
من المتوقع تماما في البداية أن يواجه ممارس هذه الأنواع من التهذيب العقلي العديد من المحن والصعوبات على طول الطريق. القليل فقط من المهارات المفيدة هي التي يمكن تحقيقها دون بذل قدر كبير من الجهد على مدار فترة طويلة من الزمن. لكن التحدي في عملية التنمية العقلية أكبر؛ فليس الهدف من مسعانا هو وحده العامل الذهني، بل إن الوسط الذي نمارس فيه والمجال الذي تحدث فيه الممارسة كلاهما ذهنيان أيضا. لذلك، فحتى الممارسون المتقدمون يواجهون العقبات.
إن جميع الممارسين المبتدئين منهم والخبراء يواجهون، إضافة إلى المشكلات العامة المتعلقة بالدافع، نوعين أساسيين من العقبات التي تحول دون الممارسة الجيدة. يتمثل أحد هذين النوعين في التشتت، بينما يتمثل النوع الآخر في التراخي أو ما يمكن أن نطلق عليه «الغرق العقلي». من المرجح أن يواجه المبتدئ التشتت أولا؛ تشتت العقل بينما يتتبع الأفكار أو الخواطر أو المشاعر؛ مما يجعله في حالة إثارة أو اضطراب ويمنعه من الوصول إلى الاستقرار. وقد يتخذ التشتت شكل الإثارة الواضحة التي يضيع فيها موضوع الممارسة تماما. وقد يتخذ شكلا ألطف؛ فلا نفقد موضوع الممارسة بالكامل، لكن أحد جوانب العقل يظل مشغولا بشيء آخر؛ مما يمنعنا من تحقيق التركيز المناسب.
تعتمد كيفية التغلب على هذه العقبات التي تحول دون الممارسة الجيدة على تجربتنا الفردية. في بعض الأحيان سيكون من الكافي أن نتذكر هدفنا من القيام بهذه التنمية العقلية. وفي أوقات أخرى، قد نضطر إلى التوقف عن كل ما نحاول القيام به وننتقل إلى تمرين آخر. ويمكن أيضا أن نقوم بتمرين تنفس قصير، أو نكرر بضع كلمات مناسبة للموقف. قد تكفي بضع كلمات بسيطة كأن نقول: «علي أن أترك ما يشتت انتباهي»، مع تكرار العبارة ببطء وتأن عدة مرات. وفي بعض الأحيان الأخرى، قد نضطر إلى قطع الجلسة والتجول في الغرفة بضع دقائق. والشيء المهم كالعادة، هو ألا تصاب بالإحباط.
تتمثل العقبة الأساسية الأخرى أمام الممارسة الناجحة في التراخي أو الغرق العقلي، وهي تحدث عندما يصبح العقل مسترخيا للغاية. ننجح في الانفصال عن انشغالاتنا المعتادة ونتمكن من تنحية المشتتات عن عقلنا، لكن لأن طاقتنا تصبح منخفضة بعد ذلك، أو لأننا لا نكون متيقظين بدرجة كافية، يغرق العقل ونصبح وكأننا «شاردون». يمكن أن تؤدي هذه التمارين العقلية إلى الاسترخاء، لكن الاسترخاء في حد ذاته ليس هو الهدف منها على الإطلاق. إنما نحتاج إلى تنمية حالة ذهنية هادئة تتسم باليقظة في الوقت ذاته، ثم الحفاظ على هذه الحالة. فالواقع أن التعود لفترات طويلة على حالة من الاسترخاء تفتقر إلى اليقظة قد يضعف حدة الذهن.
إن طريقة التغلب على التراخي تختلف من شخص لآخر، ومن جلسة إلى أخرى. قد يكون المشي السريع القصير علاجا فعالا، أو ربما قضاء بضع لحظات في تخيل ضوء ساطع. بالنسبة إلى ذوي الميول الدينية، قد يساعدهم التفكر قليلا في الصفات الفائقة لبعض الشخصيات في تقاليدهم الدينية. ثمة علاج آخر يتمثل في أن نتخيل أن وعينا ينبثق في الفضاء. ينبغي التأكيد مرة أخرى على أن العلاج الأفضل هو العلاج الذي ينجح بأكبر درجة مع الفرد. باختصار، إذا وجدت أن عقلك في حالة من الخمول، فهذا مؤشر على بدء ظهور عقبة التراخي. لمواجهة هذا، تحتاج إلى إيجاد طريقة لتحفيز حالتك الذهنية وتنشيطها. (9) مسألة التقدم
مثلما هو الحال في أي نشاط بشري، يتقدم مختلف الأفراد في ممارسة التنمية العقلية بمعدلات مختلفة ويصلون إلى مستويات مختلفة من الإنجاز في أوقات مختلفة، وفقا لسنهم، وحالتهم الجسدية، وفكرهم، وعوامل أخرى. بعض الذين يتمتعون بقدرة جيدة على الاستبطان سيتعلمون كيفية اكتشاف بداية التشتت أو التراخي بسرعة، وسيتخذون الإجراءات لمنع التطور الكامل لأي منهما. وسوف يستغرق الآخرون وقتا أطول للقيام بذلك. في كلتا الحالتين، ينبغي ألا يكون هذا سببا للفخر أو الأسى. بدلا من ذلك، متى ما ظهرت العقبات، علينا التحلي بالتواضع والسعي للتغلب عليها دون غضب. (10) البهجة في التدريب العقلي
عندما نحقق إنجازات أكبر في ممارستنا، يزداد إدراكنا تدريجيا لقابلية تدريب العقل. نتعلم أن نستبدل الأفكار والمشاعر الإيجابية بالأفكار والمشاعر السلبية، وأن نضعف من سيطرة الأفكار والمشاعر المؤذية على عقولنا. ومع ذلك، فمن المهم توضيح أن ما نناقشه هنا لا يعني «قمع» الأفكار والمشاعر السلبية. وإنما علينا أن نتعلم إدراكها على حقيقتها وأن نستبدل بها حالات ذهنية أكثر إيجابية. ونحن لا نفعل هذا لتحقيق السيادة الذاتية فحسب، بل لأن الوصول إلى هذا النوع من التحكم في عقولنا يجعلنا أكثر قدرة على إفادة الآخرين على نحو يتسم بالرأفة.
من المهم أيضا أن نراعي أنه يتعين علينا ألا نجبر أنفسنا أبدا على الممارسة. ومثلما أشرنا سابقا، سيواجه المبتدئون حتما الكثير من التشتت. ثم إن تعويد العقل على الممارسة المنهجية للتأمل يستغرق بعض الوقت. لذلك من الضروري التحلي بالصبر وعدم الشعور بالإحباط. إذا وجدنا أنفسنا مضطرين إلى المجاهدة، فقد تكون هذه إشارة إلى أنه قد حان الوقت لقطع الجلسة. ذلك أن محاولة الاستمرار في هذه الظروف لن تكون فعالة. فكلما جاهدنا، أصبح العقل أكثر إرهاقا. إذا واصلنا في ظل هذه الظروف، فسرعان ما سنبدأ في كره الممارسة. وفي النهاية، يمكن حتى لرؤية المكان الذي نجري فيه ممارستنا أن تؤدي إلى الشعور بالنفور. لذلك من المهم ألا نصل إلى هذه المرحلة. لا شك أن الانضباط العقلي هو محور التنمية العقلية وجوهرها، لكن هذا لا يعني أن تكون الممارسة عقابا. على العكس، فهي شيء يمكن الاستمتاع به. ولذا علينا أن نحاول الاستمتاع بممارستنا. وعندما ننجح في ذلك، ستساعدنا بهجتنا في التقدم بسرعة أكبر. (11) التأثير على الحياة اليومية
عندما نواجه المشكلات في حياتنا اليومية، كما يحدث لنا جميعا من وقت لآخر، يمكن لممارسة الوعي العقلي أن تساعدنا في التحلي بمنظور أكثر واقعية تجاه ما يسبب لنا المشكلات. إذا تبادلنا على سبيل المثال، كلمات قاسية مع شخص ما، كأحد أفراد العائلة أو زميل في العمل أو شخص غريب عنا تماما، فسيفيدنا تخصيص بضع دقائق من ممارستنا للتفكير في الحدث وتفحص ردود أفعالنا تجاهه. بعد ذلك، نتخيل خصمنا أمامنا، ونحاول توليد مشاعر من الامتنان تجاهه. قد يبدو هذا غريبا في البداية. لكن مثلما أشرت سابقا، فالحق أن أعداءنا هم أعظم معلمينا في جانب مهم للغاية؛ ولذا فمشاعر الامتنان هذه في الواقع ملائمة تماما. مع وضع هذه الفكرة في الاعتبار، نتخيل أننا ننحني لخصمنا. وعندما نفعل هذا مرارا وتكرارا، إذا كان موقفنا صحيحا ودافعنا نقيا، فإن الكره الذي نشعر به تجاه هذا الشخص سيتبدد تدريجيا، وسوف نتمكن من توليد مشاعر الحب والرأفة بدلا منه.
Halaman tidak diketahui