Apa yang Mata Lihat: Cerita Pendek Mesir
ما تراه العيون: قطع قصصية مصرية
Genre-genre
سمع عبد العزيز جملة إبراهيم وقال له: إني لا أعتقد ذلك. - أأساوي «عبد ربه» وهو من جهابذة أهل العلم أصحاب النقد الصحيح والفكر الثاقب؟! - لكل منكم طريق لم يسلكه الآخر؛ أنت تكتب في الخيال وهو في النقد. - وهل تظن أني عاجز عن انتقاد الكتاب أجمعين؟ - أنا لا أقول ذلك، ويسرني أن أرى في نقدك - إن شاء الله - صواب الفكر ودقة النظر. - سوف تقرأ عن قريب في إحدى مجلاتنا الكبيرة عدة مقالات في معنى النقد وشروطه. - وأتعشم أن تكون بتوقيعك. - إن شاء الله تعالى. ألا ترى أن الكتاب الذين يكتبون في النقد يحيدون كثيرا عن الصراط المستقيم؟ - لا أرى ذلك. - هذا لأنك لم تقرأ في الإنكليزية كتب النقد الصحيح، وهي كثيرة يا صديقي، وإن شئت أقرضتك كتابا منها؛ لتقف على هذه الروح العالية المفقودة عند كتابنا - سامحهم الله.
وانتهى عبد العزيز من مسح حذائه، ونفح ماسح الأحذية قرشا، ومشى مع إبراهيم جنبا لجنب وهو يقول له: إني أشكرك يا عزيزي، ومتى أحظى منك بهذه المنحة العظيمة؟ - غدا إن شئت ذلك. - إن نفسي لتواقة لقراءة هذا الكتاب. - غدا تبتدئ في مطالعته في حصة المطالعة الإنكليزية؛ لأن أستاذها، كما تعلم، لا يهمه كثيرا ما تفعله التلاميذ. - إنه إذا دخل الفصل جلس على مقعده إلى أن يدق الناقوس. - ولكن نتيجته حسنة دائما. فما السر في ذلك؟ - سعادة حظه.
عندما قال عبد العزيز كلمة «سعادة حظه» ضرب بيده على رأسه كأنه يأسف على نسيانه ذكر أمر كان بوده أن يقوله ليسري. ثم قال له: لقد نسيت أن أقول لك إن صديقك أبا الإنشاء قد أرسل مقالة لجريدة الحقائق. - لقد أخطأت يا صديقي في إلصاق لفظ الصداقة بصفاته، وكان الأولى أن تقول «حاسدك» لا صديقك. - إنك ما زلت تضمر له الشر. - إني أمزح معك يا عبد العزيز، ولا إخالك تعتقد في غير ذلك، وما موضوع مقالته؟ - البورصة. - وما عنوانها؟ - الأم الشفيقة القاتلة. - ومتى أرسلها؟ - منذ يومين. - ومتى أخبرك بذلك؟ - صباح اليوم. - عنوان يأخذ بمجامع القلوب. إني أهنئ صاحبك يا صاح على هذا الذكاء. - أما زلت تهزأ به؟ - إن العنوان أطربني؛ ولذا تراني أترنح كالشارب الثمل.
ومشى وهو يترنح يمنة ويسرة مقلدا شارب الخمر، وضحك بعد ذلك ضحكة عالية، ثم التفت إلى صديقه وقال له: بشر صاحبك بنجاحه في مسعاه؛ لأن صاحب «الحقائق» فقير المادة، فسوف يرى في مقال أبي الإنشاء عونا له يستعين به. - أتهزأ بصاحب «الحقائق» وأنت أول من كتب فيها. - إن للحقائق فضلا علي، ولي عليها أيضا فضل عظيم، وأظنك لا تنكر ذلك.
ووصل الصاحبان إلى ميدان العتبة الخضراء، فقال عبد العزيز لصاحبة: كنت أود أن أتم حديثي معك، ولكني مجبر على مغادرتك. - وأين تقصد؟ - شارع الموسكي؛ حيث أشتري «نصف دستة» من الشرابات.
وغادر عبد العزيز صاحبه، فوقف إبراهيم هنيهة ينظر طورا للغبراء وطورا للسماء، وهم إلى جهة دار البريد، وإذا به يسمع صوتا يناديه، فالتفت خلفه ليرى المنادي، وعندها صاح بملء فيه: أنت! أما دار بخلدي أن أراك اليوم، فيا حسن حظي! لقد صدق المثل العامي «افتكرنا القط جانا ينط»، وأين كنت؟
كنت جالسا على هذه القهوة (وأشار بيده لقهوة النيل) لأستريح، وإذا بي أراك تقلب نظرك في أديم الأرض طورا، وفي صفحة السماء تارة أخرى، فقلت لنفسي، والنفس تحب لقاء الأدباء: هاك طلبتك التي كنت تطمحين إليها منذ حين. فناديتك وأنا آمل أن تشملني بعطفك بعد أن رميتني بهجرك وصدك. - لا صد ولا هجر فيما فعلت أيها الأخ الكريم، ولكن المدرسة ... - لا تلجئني لأن أقول: «العذر أقبح من الذنب.» - مغفرة وصفحا لو كنت أذنبت، وتسامحا لو كانت الظروف أذنبت. - هذا كثير يا عزيزي، فلا تجعلني بالله عبد لطفك أبد الدهر. - لا يسع محدثك إلا أن يقر لك بالتفوق في كل شيء. - هل لك أن تجالسني قليلا؟ - ذلك ما تصبو إليه نفسي. إني كنت أنظر لأديم الغبراء تارة ولصفحة السماء طورا؛ لأني كنت أبحث عن أخ كريم مثلك يسمعني من فيه آيات السحر الحلال. - بورك فيك يا عزيزي.
وذهب الصديقان لقهوة النيل وجلسا أمام خوان صغير، وابتدآ في الحديث بعد أن صفق صاحبنا الجديد مرتين، فلما أتاه خادم القهوة طلب منه أن يأتي إبراهيم بفنجان قهوة أتى به الخادم بعد قليل. - كنت منذ حين مع بعض الإخوان، وكنا نتحادث بشأن جريدتك. - إني لأعجب لذلك بعد أن أغضيت الطرف عن جريدة لا أعدها إلا من بنات فكرك. - لقد اعتذرت لك يا صديقي فلم تقبل عذري، وليس أمامي إلا شيء واحد أصلح به خطئي. سأكتب في جريدتك من جديد حتى لا تقول عني إني أهملتها بعد أن كنت من العاملين على نجاحها. - أشكرك يا صديقي. - ولكن كيف حال جريدتك؟ أفي عزمك أن تجعلها يومية؟ - لعن الله من يذوق لذة العلم في بلد كمصر. إني أقرأ الجرائد والمجلات الأوربية، وأقتطف منها ما لذ وطاب، وأنشره على صفحات جريدتي؛ ليستفيد منها المعمم والمطربش، ولا يكون جزائي على كل ذلك إلا الصبر والإعراض. - لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. - ولقد طرقت باب السياسة وباب الاجتماع، وأردت أن أكتب في الفلك والرياضيات، ولكن خاب فألي وتلاشت كل آمالي، وكرهت الصحافة بعد أن كنت أتفانى في الزود عن حياضها. - كل هذا يفت في ساعد أهل الأدب، ولولا أنك ذو همة قصية المرمى، وعزيمة تفل الحديد؛ لنصحت لك بإيقاف جريدتك. - حاشا أن أفعل ذلك ولو قطعت إربا إربا، وسأعمل إلى النهاية وإن أقلت صحيفتي عطاءها ولم أنل منها إلا النزر اليسير. - ألا تخاف الخراب؟ - أنا واقع فيه يا صديقي من يوم أن فكرت في إنشاء الصحيفة. أنسيت أن الصحافة لم تنعم علي بشيء؟ - وبعد؟ - سأجاهد حتى ألفظ النفس الأخير. - همة شماء فلله درك من رجل! - ألم تقرأ «برق» يوم الجمعة الماضي؟ - كلا. - لقد كانت «افتتاحيته» ملأى بالمطاعن. - ومن كان فريسة «البرق» في الأسبوع الماضي؟ - جريدة الحقائق. - جريدتك أنت؟! - نعم، وعلام العجب والبرق جريدة لم تنشأ إلا لنهش أعراض الناس؟! - وما الذي ذكره صاحبها في مقالته هذه؟ - قال إني أسب الناس لأستدر أموالهم. - حاشا أن تكون ذلك الرجل. - لقد كتبت عدة مقالات أستحث بها أغنياءنا على مساعدة أهل العلم والأدب، ولمت بعضهم على توانيه وتقاعده عن خدمة رجال الصحافة. - وهل ذكرت أسماء الأشخاص؟ - لم أذكر أسماءهم، ولكني وصفت صفات بعضهم وصفا دقيقا يعرف به القارئ اسم الموصوف. - أفعلت ذلك؟ - وكيف لا أفعل ذلك وقد أصبحنا في هذا البلد الأمين كالمتشردين لا نجد لقمة بها. - وما الذي دفعك لارتكاب هذا الزلل؟ - لا زلل فيما فعلت أيها الصديق القديم. ذهبت عند أحد البشاوات لأسأله بدل الاشتراك، فاعتذر بمرضه أولا، وبتغيبه عن قصره ثانيا، ثم بطردي من القصر ثالثا ... وذهبت عند أحد البيكوات، فقال لي بسماحته المعروفة: «لقد أخطأت يا صاح في العنوان.» وذهبت عند أحد الكبراء ففغر فاه عند ملاقاتي وسبني أمام خدمه، ولولا ما أظهرته من الشمم والإباء لضربني بيده ورفصني بقدمه، فماذا تقول في كل ذلك؟ - جنايات فظيعة على رجال الصحافة. - أليس كذلك؟ - لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لقد أصبحت الصحافة محتقرة في أعين العظماء والكبراء والأغنياء، فمن يعولها في كنانة الله بعدهم؟ - كنانة الله! أتسمي مصر بهذا الاسم! قل جحيم الله، قل غضب الله، قل صواعق السماء، قل قاذورة البلاد، قل ما شئت؛ فقد ألجأتنا الحاجة في هذه البلاد لنصير كالذئاب الجائعة تأكل بعضها بعضا، ولكن يظهر لي أنك لا تقرأ «الحقائق» منذ مدة طويلة لأنك تجهل ما يكتب فيها.
وابتدأ إبراهيم في خلق اعتذاراته وشرحها بما آتاه الله من فصاحة اللسان وبلاغة الكلام، حتى صرف ما في ذهن صاحب الحقائق نحوه، وما صاحب الحقائق هذا إلا تلميذ حاز شهادة الكفاءة، ثم ألجأته الضرورة لأن يتخذ الصحافة مهنة، فابتدأ عمله شريفا ثم ختمه بسب الناس وشتمهم كما تفعل أصحاب الجرائد الأسبوعية التي لم تنشأ إلا لهذا الغرض، وهو صديق قديم لإبراهيم يسري، وإبراهيم هذا كان من أكابر معضدي الحقائق، وعلى صفحاتها نشر مقالاته الأولى، ولما وجدها تتدهور من هاوية إلى هاوية صد عنها، وابتدأ بالكتابة في الجرائد الكبيرة إلى أن حاز الشهرة التي رفعته إلى مقامه الكبير بين إخوانه الطلبة، ولقد أراد حسن أمين أن يقلده فيما يفعل لينال في الحياة حظا أكبر من حظه وأعظم، فأرسل مقالته الأولى لجريدة الحقائق.
مكث إبراهيم يتحادث مع صاحب «الحقائق» مدة طويلة إلى أن قال له: ومن ذا الذي يعاونك على التحرير؟ - رأسي ويدي. - ألا ترد إليك رسائل من كبار الكتاب؟ - بل من صغارهم.
Halaman tidak diketahui