أما تاريخ العرب القدامى فشأنه يختلف عن ذلك كثيرا. حقيقة أن هناك كشوفا تمت في بعض بلاد اليمن وفي شمالي شبه الجزيرة، وأن الخطوط العربية القديمة هنا وهناك قد فكت طلاسمها؛ ولكن على الرغم من ذلك لا يزال المؤرخ يتهيب الكتابة في تاريخ العرب قبل الإسلام؛ لأن ما تم من الكشوف لم يكن كافيا، وإن كان قد أماط اللثام عن وجود دول كان يجهلها مؤرخو العرب واليونان جهلا تاما، ولأن الشطر الأكبر من وسط شبه الجزيرة وأطرافها لا يزال بكرا لم تقلبه فأس منقب، ولم تزل الرمال عما هو مطمور تحته من آثار قد تتسامى في عظمتها إلى آثار بابل ومصر.
وسنبين فيما يلي مصادر التاريخ القديم عامة والتاريخ العربي القديم لنرى إلى أي مدى أفادتنا الأخيرة في دراسة تاريخ العرب القدامى. (2) مصادر التاريخ القديم
مصادر التاريخ القديم كثيرة:
أولها ما كتبه الأقدمون عن أنفسهم، فإن كان خطهم لا يزال مستعملا أمكن بطبيعة الحال قراءته ومعرفة كل ما كتبه القوم عن أنفسهم، ومثال ذلك الخط اليوناني، وإن كان غير مستعمل وتمكن العلماء من حل رموزه كالخط الهيروغليفي، والخط المسماري كانت أهميته كمصدر للتاريخ كالخط المستعمل تماما، أما إذا كان غير مستعمل ولم يتمكن العلماء من فك طلاسمه فإنه يكون عديم الفائدة أو قليلها كمصدر من مصادر التاريخ.
وثاني مصادر التاريخ هو ما خلفه القوم وراءهم من آثار مختلفة كالمعابد والمسلات والتماثيل والمقابر وغيرها، فإن وجود هذه الآثار وبخاصة إذا كانت في حالة جيدة تساعد على تفهم حالة الحاكمين والمحكومين الذين شيدوها، ثم هي - بما تحمل في الغالب من نقوش وكتابات - تنقل إلينا معلومات وأخبارا قد لا يتطرق الشك إليها، وتعتبر المدافن بصفة خاصة عند المصريين القدماء من أهم المصادر؛ لأن المصريين كانوا يؤمنون بالبعث، وكانوا يعتقدون أن الأرواح ستعود إلى الأجساد، ومن أجل ذلك كانوا يضعون مع الميت في قبره أسلحته وملابسه وأثاثه وطعاما وشرابا وغير ذلك من الآنية.
أما ثالث مصادر التاريخ فهو ما كتبه مؤرخون قدماء، ولكنهم جاءوا بعد الأزمنة التي وصفوها، وهؤلاء المؤرخون إما وطنيون كتبوا عن تاريخ بلادهم أو أجانب كتبوا عن تاريخ بلاد غير بلادهم، وقد تكون كتاباتهم خطأ أو مغرضة كما قد تكون صحيحة، فهي على كل حال في حاجة إلى التمحيص، وقد كانوا بطبيعة الحال يعتمدون فيما يكتبون على ما شاهدوه بعيونهم أو نقل إليهم عن طريق الرواية، أو كان مسجلا على الآثار، وقد كانت مهمة معظمهم شاقة نظرا لعدم توفر وسائل البحث لديهم كما هي متوفرة لدى المؤرخين المحدثين الذين يستطيعون في معظم الحالات قراءة الكتابات القديمة ومعرفة ما دون الأقدمون عن أنفسهم.
وقد يضاف إلى هذه المصادر الثلاثة مصدر رابع وهو الأقاصيص المتداولة التي تمثل في الغالب صفحات من الحياة اليومية للناس، إلا أنه من الصعب استخلاص حقائق تاريخية ثابتة منها نظرا لما كانت تحشى به هذه الأقاصيص عادة من المبالغات والأكاذيب وهي تنتقل من جيل إلى جيل.
والتاريخ الأسطوري «الميثولوجي» لكل أمة - وهو يسبق عادة تاريخها الحقيقي - إن كان يدل على شيء فهو يدل على ميولها وأمانيها ومبلغ إدراكها وطرائق تفكيرها.
أما مصادر التاريخ العربي القديم فهي: (1)
الكتب المقدسة. (2)
Halaman tidak diketahui