التفقئة والتعمية: وذلك أنه كان إذا بلغت إبل أحدهم ألفا، فقأ عين الفحل، فإذا زادت عن الألف فقأ عينه الأخرى، ويزعمون أن ذلك يكف العين عنها.
ونجتزئ بهذا القدر من عادات العرب وخرافتهم، ونلفت النظر إلى أن بعض هذا شائع في البيئة المصرية، وأن التاريخ والبحث أثبت أنه متوارث من أيام الفراعنة.
وننتقل الآن إلى ما نريد أن نختم به هذا الكتاب الأول، وهو وصف الحالة الثقافية في الحجاز قبيل الإسلام، ومدى ما كان لسبأ والحبشة وفارس والغساسنة واليهود من آثار فيها.
تأثر الحجاز بثقافات الأمم المجاورة
على الرغم من أن الحجاز لم يكن قبيل الإسلام واقعا في مجرى التيار العالمي من ناحية الثقافة، إلا أنه لم يكن بمنأى عنها فلقد تسربت إليه من بلاد العرب الجنوبية بعض الآثار الثقافية، مما لقحت به لغة العرب الشماليين، ونقصد بها لغة قريش التي تمكنت في هذا القرن السابق على الإسلام من أن تسود لغات العرب أجمعين، وتصبح لها الصدارة بين كل لهجاتهم ، فألفاظ الرحمن والرحيم وشرك وكفر وغيرها هي ألفاظ جنوبية، سلكت سبيلها إلى الحجاز واستعملت في المعاني التي كانت تطلق عليها في الجنوب كما تدل على ذلك النقوش التي كشفت حديثا.
كذلك كان لسكان الحبشة الساميين أثر في ثقافة الحجاز، وقد سبق أن درسنا أن الحبشة كانت تشترك مع دولة حمير في احتكار تجارة التوابل والأفاوية في العالم القديم، التي كان الحجاز طريق نقلها الهام، ودرسنا أيضا بأنه في الخمسين سنة السابقة لميلاد النبي عليه السلام، كانت الحبشة تحكم اليمن، وأنه في عام ميلاده - أي عام الفيل - كانوا يهددون مكة والكعبة بالغزو، وكانت مكة نفسها مقرا لكثير من الأحباش الذين كانوا - في الغالب - يعتنقون المسيحية، وكان بلال مؤذن الرسول عبدا حبشيا، وفي القرآن الكريم إشارات كثيرة إلى البحر وركوبه وأمواجه، وكان العرب يعرفون هذا بسبب علاقاتهم البحرية مع الحبشة، وفي تاريخ السيرة: أن المسلمين المضطهدين من قريش الوثنية، هاجروا هجرتهم الأولى إلى الحبشة.
وإذا تعقبنا الألفاظ العربية التي ترجع إلى أصل حبشي، وجدنا فيها ما يثبت لنا ذلك التأثر الثقافي، ومن هذه الألفاظ نذكر الكلمات الآتية: برهان - حواريون - جهنم «وأصلها عبري» - مائدة - ملك «أحد الملائكة وأصلها عبري» - محراب - منبر - مصحف - شيطان، وقد أورد السيوطي في كتابه الإتقان الكثير من الكلمات الأعجمية التي وردت في القرآن.
وفي القرن السابق لتأسيس الإسلام كان كل من فارس والحبشة يتنازعان السيطرة على اليمن، ولقد انتقلت فنون فارس الحربية إلى الحجاز عن طريق اليمن، كما انتقلت - أيضا - عن طريق الحيرة، ومن المعروف أن سلمان الفارسي هو الذي أشار على الرسول
صلى الله عليه وسلم
بحفر خندق حول المدينة في غزوة الأحزاب، وكانت الحيرة من العوامل التي نشرت الثقافة الفارسية في بلاد العرب، كما كان لها أثر في نقل بعض مظاهر الثقافة الآرامية النسطورية قبل أيام الرسول، ولما كان النساطرة أنفسهم متأثرين بالحضارة الإغريقية، فقد كانوا أيضا واسطة في نقلها مع ثقافتهم والثقافة الفارسية إلى قلب بلاد العرب الوثنية، ومن الألفاظ الفارسية التي دخلت إلى اللغة العربية لفظ الفرند «السيف» - والفردوس - وسجيل «حجارة» - والبرزخ - وزنجبيل - وخندق - وغيرها.
Halaman tidak diketahui