واهتمام الجريدة بأحداث العالم مستمر كذلك، أدولف هتلر يقرر انسحاب بلاده من «عصبة الأمم» ومن مؤتمر نزع السلاح، ويكتب إلى محكمة العدل الدولية بأن بلاده لن تتابع الدعوى التي كانت قد رفعتها لديها ضد بولنده.
ماذا يعني ذلك كله إلا أن ألمانيا تنسحب من الأسرة العالمية؟
إن هتلر يرى أن معاهدة فرساي، التي اضطرت بلاده لإمضائها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، معاهدة ظالمة لا تطاق، لا بد من أن يخلص بلاده منها، وهو يائس من بلوغ هدفه بالطريق السلمي، ولا يرى سبيلا لبلوغ أغراضه إلا سبيل العنف والقوة.
آلات الاستقبال المقامة فوق سطح الجريدة ، التي كان كامل الشناوي يسميها «مراسلنا فوق السطح»، تحمل خبرا عن اكتشاف عالم فرنسي لدواء جديد من الأدوية التي يسمونها أدوية المعجزات اسمه «سلفامين»، وطه حسين يطلب إلى أحد المحررين الجامعيين أن يعد بحثا لتعريف القراء بالمخترع وبالاختراع.
وتحمل البرقيات خبرا عن صدور كتاب جديد للكاتب الفرنسي جان أنوى هو كتاب «هرميلين»، وطه حسين يطلب الحصول على نسخة ليقرأه أحد كتاب صفحة الأدب ويعرضه على القراء.
ولكن إدارة الجريدة لا توافق على أن تنفق مالا في شراء مثل هذه الكتب، إن للمسئول عن التحرير طلبات كثيرة مثل هذا الطلب يراها ضرورية لازمة، وللإدارة رأي في المال كيف يجمع وكيف يصان، وكيف لا ينفق منه شيء إلا بحساب. وتزداد هذه المضايقات الإدارية والمالية، ويزداد إحساس طه حسين أنه غير قادر على الإشراف على الجريدة بالشكل الذي اتفق مع أصحاب الشأن عليه مع استمرار هذه الخلافات والمضايقات.
وعندما يوشك ربيع عام 1934 أن ينتهي يكون طه حسين قد قرر ترك العمل في جريدة «كوكب الشرق»، إنه يريد أن ينهض بالعمل الصحفي حرا لا تقيده القيود، وهو قد اقتنع بأنه لكي ينهض بالعمل بهذا الشكل، لا بد أن يكون صاحب المسئولية الكاملة في الجريدة. •••
ينهي طه حسين ما انعقد عزمه عليه إلى رجال الوفد وإلى صاحب الكوكب الأستاذ أحمد حافظ عوض، ويتفاوض مع أسرة الصحفي القديم الأستاذ محمد نجيب أصحاب امتياز جريدة «الوادي» لكي يصدرها هو مستقلا بإدارتها وتحريرها، متحملا كل أعبائها، ويتم الاتفاق على ذلك، فينتقل معه أكثر تلاميذه ومعاونيه من المحررين إلى جريدة الوادي في مبناها بحي عابدين.
ويكرس طه حسين للصحيفة الجديدة كل وقته وجهده، وكل ما لديه من مال قليل ما أسرع ما ينتهي، فهو يكتب إلى طلعت حرب باشا في بنك مصر يقول: «غمرتني بفضلك حين أذنت في الشهر الماضي بأن يقرضني البنك سبعمئة من الجنيهات دون أن تتشدد فيما تتشدد فيه المصارف من ضمانة الملك وأصحاب الثروات الطائلة، وقد عرفت لسعادتك هذا الجميل الذي لن أنساه، وكان الحق علي بعد هذا ألا أثقل عليك ولا أطلب إليك شيئا، ولكن ظروف الحياة التي دفعني إليها ظلم الظالمين هي التي تضطرني إلى أن أقف هذا الموقف الذي يثقل علي جدا؛ المبلغ الذي اقترضته في الشهر الماضي قد أنفقته كله في إنشاء جريدة الوادي ولم يبق منه شيء، وما زالت الجريدة محتاجة إلى المال، ويظهر أنها لن تربح إلا بعد أن ينقضي الصيف، وتعود الحياة إلى نشاطها الطبيعي، فأنا إذن في حاجة إلى قرض آخر لتمضي الجريدة في طريقها من جهة وأستطيع أنا أن أعيش من جهة أخرى، وأنا أتمنى لو أمكن أن يرفع المبلغ الذي اقترضته من سبعمئة إلى ألف ... وأرجو أن تتفضل فتقبل تحيتي الخالصة وإجلالي العظيم.»
ويحصل طه حسين على القرض، وتصدر «الوادي» بانتظام، ويدبر مصروفاتها تدبيرا دقيقا مدير صديق وهو السيد حسين فتوح.
Halaman tidak diketahui