ويقول الزناتي: «يا سيدي القافية أحوجت إليها، تقصد اختلاف الرأي واختلاف الميول، المهم المعنى: منا نحن بليتنا وعندنا نحن الدواء! هذا كلام قلته أنت عام 1914، ألا ينطبق هذا الكلام علينا الآن في عام 1923 في حالة التطاحن ومحنة التطرف والتعصب مثلا، نظرا لأن وزارة ثروت هي التي كونت لجنة وضع الدستور الذي يتلهف الشعب كله على وضعه وتطبيقه، فإن سعدا باشا سماها «لجنة الأشقياء» ... وأصبح هذا هو اسمها على لسان الشعب حتى اليوم؟»
ويقول طه حسين: «موضوع الدستور وحقوق الشعب يستحق كتابة مقال.»
ويقول الزناتي: «ليس هذا وقت كتابة، لقد فهمت أنك مرشح لوظيفة جديدة، وظيفة اسمها مدير مكتب الترجمة والنشر العلمي، يقولون إنها ستنشأ في وزارة المعارف وإنك سوف تتولاها.»
ويقول طه حسين إن وزير المعارف ورئيس الوزراء قد كلماه في شيء مثل هذا، «ولكن موضوع الساعة ليس هو الترجمة والنشر العلمي، وإنما هو تأكيد مسئولية الشعب عن إدارة شئونه بنفسه، خاصة ونحن مقبلون على الانتخابات.»
ويعود إلى فندقه ويطلب إلى سكرتيره إعداد الورق والقلم، فيسأل السكرتير: «المقال؟» فيقول طه: «نعم، ولكن أولا خطاب لفرنسا.» ويمليه الخطاب ليرسله إلى زوجته، يقول فيه:
دفعت جنيهين ونصفا في حفلة الشيخ محمد عبده، ودفعت طلبات الإخوان الذين يعتقدون أنني غني، والحمد لله، وبقي معي ثلاثة جنيهات لأول الشهر، ولكني سأتدبر الأمر، المهم كيف أحوال الطفل وأمينة وكيف حالك؟
ثم يملي المقال عن حق الشعب ومسئوليته.
ويقرأ الزناتي المقال وهو جالس على قهوة التريانون فيقول: «إذن طارت وظيفة مدير الترجمة والنشر العلمي.»
ويقرأ والد طه المقال في كوم امبو فيدخل بالصحيفة على زوجته «أم توفيق» ويقول لها: «هذا طه يكتب أن الناس جميعا سواء أمام خالقهم وأمام وطنهم، وهم جميعا مسئولون عن مصيره ... هذا كلام كبير يا أم توفيق.» وأم توفيق تدعو لطه بالخير وبأن يحفظه الله من كل سوء. •••
وينتهي صيف 1923، وتعود الأسرة من باريس، والزوج والزوجة كلاهما يقدران أنهما قد ادخرا شيئا من المال من إيراد كتب الأستاذ، فأما الزوج فقد رأى أن خير ما ينفق فيه هذا المال هو شراء بيانو يفاجئ به زوجته عندما تعود من باريس، أما الزوجة فقد رأت أن خير ما ينفق فيه هذا المال هو شراء ساعة ثمينة من فرنسا تفاجئ بها زوجها عندما تعود إلى مصر، والآن يفاجئ كل منهما الآخر ... وإذن فالمال المدخر قد أنفق مرتين! فكيف الخروج من هذا المأزق؟
Halaman tidak diketahui