ويخيل إليه أن مجيدة كانت تدرك ما أجمع عليه أمره دون أن يشير إلى ذلك بكلمة. وكانت الأسرة جميعا تدرك هذا المصير، ولكن أحدا منها لم يذكره لآخر، كان أمرا مقررا في داخل كل فرد من أفراد الأسرة، حتى لقد ظنوا أن الحديث في شأنه عبث لا معنى له. ولا يستطيع عزام أن يذكر الآن وهو في غمرة هذه الذكريات إن كان أحب مجيدة ذلك الحب الجارف الذي قرأه عنه والذي شهده يحيط بإخوانه وزملائه، أم أن اعتبار مجيدة هي زوجته المقبلة جعل حبه لها من نوع آخر لا يعرفه إلا قليل من الناس، أولئك الذين تشابهت ظروف حياتهم وظروف الحياة التي نما فيها عزام. كان حبه لها أمرا مفروغا منه ليس في الوجد، وفيم الوجد وهو يعلم أن شيئا لن يقف في سبيل زواجهما؟ ولا فيه الهيام ولا السهد، فما كان هناك داع إليهما. ربما كان يتشوق لرؤيتها، ولكن أليس الشوق أمرا طبيعيا بين أفراد الأسرة الواحدة؟
وهكذا كان يعيش حياته في القاهرة في اطمئنان على مستقبل البيت الذي سيقيمه للزوجية. وكان يسعى حياته في طهر؛ لأنه كان يرى أن هذا هو الأولى به والأخلق.
ثم ظهرت نرمين. فإذا الحياة عنده تسفر عن وجه من المتعة لم يتصور مقدارها قط قبل ليلته هذه في الأريزونا.
ذهب مع نرمين إلى شقتها. وحين حان موعد انصرافه تحير ماذا يفعل. وبخبرة المرأة المتمرسة قالت له: فلوس لا أقبل منك، ولكن أحضر لي هدية معك في المرة القادمة.
مرة قادمة، فكر قليلا وما لبثت متعته الجديدة أن صاحت به: ماذا بك؟ وهل في هذا تردد؟
وقالت نرمين: أم تراك لم تنبسط ولن تكون هناك مرة قادمة!
وصاح من فور الغريزة: بل مرات ومرات. المهم ألا تصرفيني أنت. - لا، اسمع، أنا أعرف أنك في السنة النهائية، وأعرف أنك دائما من الأوائل. وحتى أضمن دوام الصلة بيننا لا أحب أن أكون سببا في تأخرك عن التفوق.
وصمت عزام قليلا، فقد واجه العقل الغريزة وقال: كلام معقول.
وأكملت نرمين: من الطبيعي أن ترفه عن نفسك في كل يوم خميس. - معقول. - إذن فموعدنا الساعة الثامنة كل يوم خميس.
استمرت العلاقة كما اتفقا أن تكون. وكان يغدق عليها الهدايا، ولكنها هدايا طلاب على أية حال وإن كانت لا تخلو من ذكاء. فكان يحاول دائما أن تكون هديته من الذهب، وبدلا من أن يأتي لها كل أسبوع بهدية هزيلة يأتي لها كل شهر بما يوازي أربعة جنيهات ذهبية. وكان الجنيه الذهبي في ذلك الحين بخمسة جنيهات. وكثرت مطالبه بعض الشيء من أبيه، وكان الأب ذكيا يدرك ما قد يحتاج إليه الشباب من بعض الإنفاق. ولم يكن الأب واسع الثراء. ولكن المال لم يكن مشكلة بالنسبة إليه على كل حال، وكذلك كان الأمر بالنسبة لأخيه أيضا.
Halaman tidak diketahui