Teka-Teki Ishtar
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Genre-genre
19
تظهر تماثيل الأم الكبرى سمات متشابهة، في جميع مراكز الثقافة الباليوليتية؛ فالرأس عبارة عن كتلة غير متمايزة الملامح ترتكز على الجذع مباشرة أو بواسطة رقبة قصيرة. والكتفان دقيقتان أو منحدرتان بطريقة تبعد الذهن عن أي مفهوم للقوة بمعناها الذكري، والذراعان نحيلتان جدا ترتكزان على الصدر أو البطن، فتوحيان بعدم جدواهما للفعل الإرادي، وقد يقوم الفنان بمجرد الإشارة إليهما دون العناية بإظهارهما كعضو تشريحي كامل. والساقان في جزئهما الأسفل ضعيفتان وقصيرتان وتنتهيان بقدمين صغيرتين. أما المنطقة الأساسية في كل تلك التماثيل، فمنطقة الثديين والبطن والحوض وأعلى الفخذين، التي تشكل معا كتلة ممتلئة عني الفنان بإظهار وتضخيم كل جزء فيها بطريقة تبدو معها بقية الأعضاء وكأنها رسمت لتظهر ما لهذه الكتلة من أهمية قصوى. فالثديان عبارة عن كتلتين هائلتين مستديرتين، والبطن منتفخ في إشارة لحمل أبدي، والردف ثقيل، والوركان قويان بارزان، ومثلث الأنوثة منتفخ يشكل مع أعلى الفخذين وحدة متماسكة. وقد يتدلى الثديان ليشكلا مع البطن والوركين تكوينا واحدا متراصا تتجمع فيه هذه الرموز في بؤرة واحدة هي مستودع الخلق (الشكلان
2-1 ،
2-2 ).
شكل 2-1: عشتار ليسبوغ فرنسا.
في هذه الأشكال يثبت الفنان كل ما له علاقة بالخصب والفيض التلقائي الطبيعي، ويهمل ما له علاقة بالتصميم والتدبير والفعل الإرادي المباشر. وهو بذلك إنما يعطي خلاصة تأملاته في القوة الإلهية التي تصدر عنها الأشياء دون قصد كما تصدر الحياة عن المرأة. فخلف ظواهر الطبيعة المتبدية، هناك سر كلي أعظم هو أصل لها ومبدأ، وروح شمولية هي وراء الزمان والمكان، ومع ذلك تنحل إلى كل شكل في الزمان وفي المكان، قدرة إلهية تبدو كأم وأنثى كونية متطابقة مع نظام الطبيعة لا متعالية عليه فاعلة فيه عن بعد، كما صار شأن الإله الذكر فيما بعد حين تخيل العالم فكرة، ثم نطقه كلمة، ثم سواه وهذبه وشذبه وقبع وراءه منفصلا عنه مسيرا له.
شكل 2-2: عشتار ويلندورف النمسا.
ففي البدء عشتار ولا أحد معها، أمومة تنطوي على المبادئ الأولى، ثم تبدت فخلقت وأعطت. وكما تنقسم الأنثى دون أن تفكر وتدبر، كذلك تحولت أمومة عشتار الكامنة إلى كل شيء حي وجامد، فكان ما صدر عنها جزءا منها غير منفصل ولا مفارق، نتاج جسدها في حركته التلقائية، لا نتاج ذهنها في حركته المجردة، أو نتاج إرادتها المستقلة الفاعلة. وكما تتغذى الحياة التي أطلقتها الأنثى من رحمها وعلى جسدها وفي أحضانها، وكما يعطي هذا الجسد حليبا ينبثق منه بشكل سحري معجز، وكما يهب هذا الجسد طفولة الإنسان دفئا وأمنا وسكنا، كذلك هي الأم الكبرى. عنها انبثقت الحياة على المستوى الشمولي وعليها تتغذى وتستمر.
ولعل مما يدعم القيمة الدينية والرمزية لهذه الأعمال الفنية أن من بين الستين عملا نحتيا التي وصلتنا من العصر الباليوليتي، هناك خمسة وخمسون منها مكرسة لأشباه هذه الأشكال، وخمسة أعمال فقط تمثل أشكالا ذكرية منفذة بشكل سيئ يدل على عدم الاهتمام، وعلى عدم تمثيلها لهيئات إلهية، كما هو حال الأشكال الأنثوية. وهذا يتفق مع حقيقة أن الإله المذكر لم يظهر إلا في الفترات المتأخرة، مبتدئا عهده كابن للأم الكبرى.
20
Halaman tidak diketahui