Teka-Teki Ishtar

Firas Sawwah d. 1450 AH
217

Teka-Teki Ishtar

لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة

Genre-genre

وفي جنوب الهند في مقاطعة ملابر، كان على الملك أن يضحي بنفسه في نهاية دورة زمنية فلكية مقدارها اثنا عشر عاما، وهي الفترة اللازمة لدوران كوكب جوبيتر حول الشمس، وعودته مرة ثانية إلى برج السرطان. فإذا حل الموعد المضروب، جاء الكهنة الذين أمضوا وقتهم في مراقبة الأفلاك، إلى الملك وأبلغوه بانتهاء أجله، ثم نصبوا له منصة خشبية يعتليها أمام حشد كبير من الناس، حيث يبدأ طقس القربان. هنا يعطي الملك سكينا مسنونة قاطعة، ويبدأ بتقطيع أجزاء جسده مبتدئا بالأنف فالأذنين فالشفتين، ثم ينتقل إلى يديه وساقيه، وكلما قطع عضوا رماه إلى خارج المنصة أمام الجمهور، حتى إذا خارت قواه وقارب الانهيار عمد إلى قطع حنجرته.

68

ومن الممارسات والطقوس الحديثة نعود القهقرى إلى ممارسات وطقوس الحضارات القديمة. فالمصادر الرومانية الموغلة في القدم تروي أن ريمولوس أول ملوك روما قد قتل على يد أعيان المدينة، وأن أجزاء جسده قد دفنت في أماكن متفرقة من الأرض. كما تنقل الروايات اليونانية: أن بعض ملوك طيبة وتراقيا قد قتلوا ومزقوا إربا إربا، ودفنت أجزاؤهم في الأرض بسبب تجديفهم على الإله ديونيسيوس. ويغلب الظن أن هذه الروايات ليست إلا بقية من طقس قديم كان الملك بموجبه يقتل باعتباره ممثلا للإله ديونيسيوس نفسه، الذي مات ميتة مشابهة عندما مزقه التيتان إربا.

69

وفي الثقافة الإسكندنافية القديمة كانت فترة حكم الملك تستمر تسعة أعوام يتوجب قتله بعدها. ويحكى أن أحد ملوك السويد قد عكف، قبل حلول أجله، على الصلاة وتقديم القرابين للآلهة لتجنبه المصير المحتوم، فسمحت له الآلهة بالعيش، إن استطاع فداء نفسه بأحد أبنائه كل تسعة أعوام. وقد ضحى ذلك الملك بتسعة من أبنائه، وعاش حتى بلغ الشيخوخة. وعندما كان يستعد للتضحية بابنه العاشر قام عليه الناس وقتلوه.

70

وهناك من الدلائل والإشارات ما يدفع للاعتقاد، بأن بعض ملوك اليونان في التاريخ السحيق، كانوا يقتلون في دورة مقدارها ثماني سنوات؛ ففي الفترات التاريخية، كان القضاة الخمسة الذي يشكلون المجلس الأعلى المسيطر على الملك، يختارون في كل ثماني سنوات، ليلة صافية السماء مظلمة لا قمر ينيرها، فيجلسون لمراقبة النجوم في صمت إلى طلوع الصباح، فإذا لاح لهم شهاب مارق، كان في ذلك إشارة لهم بأن الملك قد اقترف إثما بحق الآلهة. عند ذلك يأمر المجلس بلزوم الملك بيته وكف يده عن الحكم، حتى تفصل في أمره نبوءة عرافة معبد دلفي ، فإما أن يعاد إلى منصبه، أو يرفع إلى العرش ملك جديد. وفي جزيرة كريت، كان على الملك، بعد مرور ثماني سنوات من حكمه، أن يلجأ إلى أحد الكهوف في جبل إيدا المقدس (حيث ولد ابن العذراء زيوس)، فيخلد إلى الراحة والتأمل، ويتلقى توجيهات الإله التي تعينه على مواجهة أعباء الحكم في السنوات الثماني القادمة، ويستمد منه قوة تجدد نشاطه الروحي والجسدي. هذه الدورة الزمنية المؤلفة من ثماني سنوات التي حددت في كل من كريت واليونان توقيت تجديد الروح الإلهية-الملكية، بالقتل أو بالوسائل البديلة التي حلت محله، ربما كانت دورة فلكية مرتبطة بحركة الشمس والقمر في مداريهما. ففي كل ثماني سنوات يصادف وقوع ليلة البدر الكامل في أطول أيام السنة أو أقصرها، وقد رأى الأقدمون في هذا التوافق نوعا من الانسجام بين النظامين الفلكيين الرئيسيين، اللذين يحددان نوعين في التقويم الزمني، هما التقويم الشمسي والتقويم القمري. بعد أن يلتقي النظامان والتقويمان، تبدأ في السماء دورة أخرى، وسباق جديد بين الجرمين الكبيرين ... لذا وفي هذه الليلة بالذات يتوجب تجديد القوة الإلهية الملكية.

71

وفي أحد الأعياد البابلية الذي يطلع عليه البابليون اسم «السقاية»، نجد أثرا باقيا من عادة موغلة في القدم، تتعلق بقتل الملوك؛ ففي هذا العيد المليء بالمرح وغرائب العادات، يتبادل السادة والعبيد أدوارهم، فيقوم السادة على خدمة عبيدهم، ويلعب العبيد دور السادة. وفي اليوم الأول للعيد يؤتى بأحد السجناء المحكومين بالإعدام، فيكسى بملابس الملك ويوضع على العرش ويسمح له بإصدار الأوامر. كما يترك على سجيته فيأكل ويشرب ويمتع نفسه بكل وسيلة ممكنة، حتى إنه ينام مع سرايا الملك ومحظياته، وذلك إلى اليوم الخامس، وهو آخر أيام العيد. عند ذلك تنزع عنه الثياب الملكية ثم يقتل. إن استمتاع الملك البديل بكل حقوق الملك الأصلي بما فيها النوم مع نسائه، وجلوسه على عرشه ولبسه ثيابه وإصداره الأوامر المطاعة، هي محاولة لإسباغ الشخصية الملكية عليه ليكون بديلا حقيقيا عن الملك في طقس القربان المقدس. ولا شك أن هذه العادة التي تحولت في الفترات الأخيرة إلى لهو ولعب، قد كانت في يوم من الأيام طقسا جديا، يموت بموجبه أحد الأفراد بديلا عن الملك، الذي كان هو نفسه موضع القربان في فترات أبعد.

72

Halaman tidak diketahui