Teka-Teki Ishtar

Firas Sawwah d. 1450 AH
188

Teka-Teki Ishtar

لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة

Genre-genre

إن بعض جوانب قصة الانقلاب الديني الذكري تكمن خلف الشكل المزخرف لهذه الأسطورة الإغريقية. فأورانوس إله السماء الأعلى الذي أنجبته الإلهة الأم ثم تزوجته، لم يكن في أصله إلا تموز ديانة المجتمع الأمومي الأسبق، ابن الأم وحبيبها المخصب. ثم جاءت جماعة الذكور المنتصرة فرفعته أبا مستبدا، وحلت سلطة الأب وسيطرته محل حنو الأم، وغابت صورة الأم التي تحضن طفلها لتظهر صورة الأب الذي يسجن أولاده أو يبتلعهم. ولم يكن الصراع بين الابن وأبيه في كل جيل، سوى انعكاس للصراع بين العناصر الأمومية والعناصر الذكرية في ثقافة لم تصل بعد مرحلة الاستقرار. ولكن الصراع كان يميل دوما لمصلحة الاتجاه الذكري؛ لأن الإله الابن الذي تحاول الأم إنقاذه، يتحول بدوره إلى طاغية يكرر دور أبيه. ومن الجدير بالذكر أن زيوس الإغريقي الذي يمثل الجيل الثالث من الآلهة، وأمه رحيا، هما بالذات الأم الكريتية رحيا وابنها زيوس، اللذان تركزت حولهما ديانة كريت وبحر إيجة، التي لم تندحر أمام المد الديني البطريركي، إلا بعد اجتثاثها من أرضها وحملها إلى بلاد الإغريق.

وكما ارتفع آلهة الإغريق الذكور، فسكنوا السماء مبتعدين عن أمهم الأرض، كذلك فعل من قبلهم آلهة السماوات العلى في الشرق الأدنى القديم منذ مطلع عصور الكتابة. ففي سومر، نجد الإله «آن» والإله «إنليل»، وفي بابل نجد «آنو» و«مردوخ»، وفي آشور نجد «آشور»، وفي سوريا نجد «إيل»، وفي مصر نجد «رع». إلا أن طغيان الديانات البطريركية لم يقض على ديانة الأم العذراء ووليدها الإلهي التي بقيت تستقطب العاطفة الشعبية الدينية، وبقي الناس يقدمون الولاء لآلهة السلطة، ويكنون الحب لعشتار وابنها. وعندما انتصرت المسيحية أخيرا وقامت فوق بحر من العبادات المتناحرة، حققت التسوية النهائية بين الإله الأب سيد السماء، والإله الابن ربيب الأرض. فهبط الإله الأب من عليائه، وصار جنينا في رحم العذراء الأرضية، ثم ولد وعاش بين الناس، ومات ثم بعث راجعا إلى سمائه.

ما هي الملامح العامة لهذا الإله الابن؟ وكيف نشأت وتطورت صلاحياته واختصاصاته؟ إن الوثائق الفنية لعصور ما قبل الكتابة، لتقدم الدليل الواضح على أن هذا الإله لم يكن موضع عبادة بمعزل عن أمه. لقد عاش حياته كلها ظلا للأم الكبرى، يمارس قسما من صلاحياتها واختصاصاتها التي انفردت بها قبله، ولكن تحت رعايتها وبمعونتها. فهو وجهها الآخر، وشقها الذكري الذي كان كامنا فيها منذ الأزل، ثم انفصل عنها شكلا ولكنه بقي جزءا منها فعلا. وإذا كانت الأم الكبرى قبل ظهور الابن تحمل في بعض صورها التركيب الأنثوي والذكري معا، فإن ابنها بدوره سوف يحمل ذات التركيبين، ويعيش حياته «ابن أمه»، الفتى الرقيق الحميل ذا الملامح الأنثوية والجسد الطري الغض. فعشتار وتموز هما في الحقيقة أقنومان لا إلهان مستقلان؛ اثنان في واحد، وواحد في اثنين.

أخذ الإله الابن عن أمه خصائصها القمرية؛ فهو الآن الثور السماوي ابن القبة المعتمة، الذي تظهر قرونه عند الأفق ليلة ميلاد القمر الجديد، ثم يبدأ بالصعود لينهي دورة حياة مقدارها ثمانية وعشرون يوما، فيموت ويبعث في اليوم الثالث من بين الأموات. ورغم قيام الميثولوجيا الذكرية برفع آلهة مذكرة جديدة للقمر، كالإله «نانا» في سومر والإله «سن» في بابل، فإن الخصائص القمرية القديمة للإله الابن بقيت تدل على نفسها عن طريق الإشارة والرمز. فقرون الثور النيوليتي بقيت تزين رءوس أبناء الأم الكبرى حتى العصور المتأخرة، ونجدها على وجه الخصوص في تماثيل الإله الكنعاني بعل. أما الإله دوموزي أو تموز فتطلق عليه النصوص لقب الثور الوحشي. فها هي «إنانا» تناجيه بهذا الاسم في أحد مزامير العشق: «أطلق سراحي أيها الثور الوحشي لأعود إلى بيتي ... ماذا عساني أقول لأمي؟» وعندما يلقنها دوموزي ما عليها أن تقول لأمها يدعوها للبقاء قائلا: «هذا ما تقولينه لأمك، بينما نمرح في حضن الهوى ... تعالي، سأهيئ لك سريرا رخصا حيث نقضي أعذب الأوقات.»

12

وفي مصر القديمة نجد اسم الإله الابن «أوزوريس» إذا أعيد إلى جذوره القديمة فإنه يعني سيد القمر،

13

وكان من ألقابه «آزر-آه» الذي يعني أوزوريس القمر. ولعلنا واجدون في أسطورة هذا الإله ودورة حياته ما يشير إلى خصائصه القمرية. فهو قد عاش ثمانية وعشرين عاما فقط، وفي ذلك إشارة إلى دورة القمر الشهرية المؤلفة من ثمانية وعشرين يوما. وعندما قتله أخوه «سيت» قطع جسده إلى أربع عشرة قطعة، بعثرها في أماكن متفرقة، ثم جاءت زوجته إيزيس فبحثت عن القطع وجمعتها إلى بعضها ونفخت فيها الحياة. وفي ذلك إشارة إلى أجزاء القمر التي يفقدها يوما فيوم، أثناء هبوطه إلى العالم الأسفل، خلال فترة التناقص المؤلفة من أربعة عشرة يوما، ثم استعادته لتلك الأجزاء خلال فترة التزايد. وقد كان المصريون يحتفلون في اليوم الأول من الشهر القمري يوم ظهور الهلال، وفي اليوم الخامس عشر منه وهو يوم ابتداء فترة القمر المتناقص. إضافة إلى ذلك، فإن الرمز القمري لأوزوريس يتجسد في ثوره المقدس «آبيس»، الذي يعتبر روح أوزوريس الحية على الأرض، والذي ولد من بقرة أخصبها شعاع القمر. وكان هذا الثور المقدس يعامل خلال حياته على أنه الإله نفسه، وتقدم له فروض العبادة والتقديس بما يليق بوضعه هذا.

14

فإذا مات حلت روحه الخالدة في ثور آخر، وقام الناس في طول البلاد وعرضها بالبحث عنه مسترشدين بعلامات فارقة تميزه. فهو أسود اللون تماما لا شية فيه، على جبهته مثلث أبيض، وعلى خاصرته صورة الهلال. فإذا تم العثور على مثل هذا الثور، تم اقتياده إلى معبده الخاص في مدينة ممفيس.

Halaman tidak diketahui