Teka-Teki Ishtar
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Genre-genre
فكانت التأثيرات السومرية بمثابة المحرض الأول للنهضة المدينية الأولى مع مطلع عهد الأسرات في مصر عام 2800ق.م. بعد ذلك انطلقت الثورة المدينية نحو كريت غربا والهند شرقا في الوقت نفسه تقريبا عام 2600ق.م. ووصلت الصين عام 1600ق.م. وأخيرا عبرت المحيط الهادي نحو العالم الجديد فوصلت أمريكا الوسطى والجنوبية بين القرن السابع والقرن الرابع قبل الميلاد.
26
وعلى ذلك يمكن القول بحق: إن الحضارة الكونية عبارة عن شجرة واحدة ذات أصل واحد وفروع متعددة.
27
الأسطورة الأولى
إن المقدمة التي سقناها حول أصل الحضارة ونظرية البؤرة الواحدة، كانت ضرورية لتحديد منطلق هذه الدراسة . فإذا كانت البؤرة الحضارية قد قدمت الأسس التقنية والمادية الأولى التي قامت عليها الحضارة من زراعة ، وتدجين ماشية، وعمارة، وفن، وكتابة، ونظم مدينية وما إليها، فإنها بلا شك كانت الرقعة التي نضجت فيها تأملات الإنسان البدئية وتصوراته الدينية وأساطيره. ولذا فإن البحث في هذه العوامل غير المادية للحضارة يجب أن يأخذ نقطة انطلاق له من المكان الأول الذي نشأت فيه هذه العوامل، فيدرسها في بيئتها الأولى ليلاحظ فيما بعد كيفية انتشارها خارج هذه البيئة. أي إن نقطة الانطلاق يجب أن تكون من ديانة الثقافة النيوليتية وأساطير زراع القمح الأول، والشكل اللاحق لهذه الديانة والأساطير في المجتمع المديني الأول؛ ومن ثم دراسة تنوعاتها من خلال عبقريات الحضارات الأخرى ونظمها الدينية والأسطورية. إن المنهج المقارن الذي اعتمد حتى وقت قريب دراسة الثقافات البدائية القائمة أو القريبة منا زمنيا، ثم إسقاطها على الأشكال الأولى لديانات الإنسان وأساطيره، لم يعد مبررا الآن بعد أن صارت بين أيدينا الوثائق الدينية للعصر النيوليتي من تماثيل وعادات دفن وهياكل عبادة وما إليها. إلا أن هذا المنهج المقارن سيبقى مفيدا عندما يتعلق الأمر بملء بعض الفجوات الأساسية التي تعجز هذه الوثائق عن ملئها.
إن نظريتنا في هذا الكتاب تقوم على القول بنشوء ديانة مركزية واحدة وأسطورة أولى في العصر النيوليتي، كانت ذات تأثير مباشر على الأشكال الدينية والأسطورية لدى جميع الثقافات اللاحقة، بدءا من المجتمع المديني الأول في وادي الرافدين وانتهاء بالديانات الكبرى للحضارات اللاحقة. فمع انتشار الأسباب المادية للثقافة النيوليتية من بؤرتها الأولى، انتشرت معها الأفكار المرتبطة بحضارة الاستقرار والزراعة، وقام كل شعب من الشعوب التي تبنت الثقافة الجديدة بابتكار تنويعه الخاص انطلاقا من هذه المعطيات الأولى. وهذا ما يفسر لنا بحق تشابه الأساطير الأساسية لدى شعوب العالم القديم، وهو التشابه الذي سنعمل على كشف كثير من جوانبه عبر فصول هذا الكتاب. ورغم أن جهدنا لن ينصب بالدرجة الأولى على إثبات هذه النظرية في مقابل نظرية النشوء المتوازي المعاكسة؛ إلا أن البرهان سيتكامل من تلقاء ذاته تدريجيا ، وذلك من خلال المجرى الرئيسي لدراستنا وهو: الإلهة الأم.
كيف كانت ديانة الإنسان النيوليتي؟ وعلى أي شكل جاءت أساطيره؟ وما فحوى غيبياته فيما وراء المادة؟ لم يترك العصر النيوليتي لنا نصوصا مكتوبة ولكنه ترك لنا رسوما وتماثيل ومدافن ومعابد، حملها كل ما يمكن أن تحمله الرقم المخطوطة، فوصلت إلينا رسائله عبر فنونه وجمالياته وإبداعاته التشكيلية والمعمارية. ولقد صار لدينا الآن ثروة من نتاجاته كافية لفهم حياته الروحية وتصوراته الدينية وطبيعة طقوسه وعباداته. وفي الحقيقة فقد ورثت الثقافة النيوليتية الزراعية المعطيات الثقافية للعصر الباليوليتي وطورتها في اتجاهات تتلاءم وأسلوب الحياة الجديد، وذلك إضافة لإبداعاتها الخاصة التي أنشأتها من العدم.
وفي المجال الديني ورثت عن آخر حلقات العصر الباليوليتي (30000-10000ق.م.) تصورها للقوة الإلهية في شكل وماهية أنثوية، هي الأم الكبرى للكون. غير أن الإنسان النيوليتي قد بنى حول هذا الشكل الإلهي القديم بنية جديدة من التصورات والاعتقادات والأساطير، ذات فحوى ومضامين تتصل بالزراعة التي غدت جوهر حياته وأساس تنظيمه الاجتماعي والسياسي. فالديانة النيوليتية الأولى والحالة هذه هي ديانة زراعية في اعتقادها وطقسها، والأسطورة الأولى هي أسطورة زراعية تتركز حول إلهة واحدة هي سيدة الطبيعة في شكلها الوحشي، وشكلها المدجن الجديد الذي تشارك يد الإنسان في صنعه.
كانت إلهة العصر الباليوليتي ومطلع العصر النيوليتي وحيدة تتربع على عرش الكون، ولكننا مع نضوج الثقافة النيوليتية واكتمال الشكل الاقتصادي الجديد، وتزايد الدور الاجتماعي للرجل بعد أن كان المجتمع حتى ذلك الوقت أموميا في جوهره، نجد إلى جانب الإلهة الكبرى ابنها الذي دعته عصور الكتابة بتموز أو أدونيس، لا ندري بأي اسم دعاها عبادها الأولون، ولكننا نعثر على تماثيلها في كل موقع من مواقع العصر النيوليتي، هذه التماثيل التي ابتدأت طينية صغيرة على شكل دمى،
Halaman tidak diketahui