نقد الشعر العربي
أخطاء المستشرقين في نقد الشعر القديم
انتهى في عصرنا هذا دور الاستشراق في خدمة اللغة العربية، وبقي للمستشرقين دورهم الذي ينتفع به أبناء الغرب الذين يعتمدون على إخوانهم في لغاتهم للعلم بما يحتاجون إلى علمه عن اللغة العربية.
ووضح اليوم مكان المستشرقين في الدراسات العربية، وسائر الدراسات الشرقية.
فإذا صرفنا النظر عن عمل الكثيرين منهم في دراسة اللغة لأغراض دينية أو سياسية، فهم قبل كل شيء مؤرخون أو أصحاب إحصاء وتسجيل، لم يعهد فيهم أنهم حجة في آداب بلادهم، فهم أحرى ألا يكونوا عندنا حجة في آدابنا العربية، وبخاصة في مسائل الذوق الفني، واختيار الشعر والحكم على الشعراء.
وهم بعد ذلك يجهلون روح اللغة ويجهلون معاني الكلمات، وليس من الشائع بينهم أن يتوسعوا في دراسة التاريخ العام للبلاد الشرقية إلى جانب دراسة اللغة، فيكثر عندهم من أجل ذلك أن يخطئوا فهم أطوار اللغة جهلا منهم بأطوار التاريخ، وبما يستلزمه من موضوعات الشعر والخطابة وغيرها من التعبيرات القومية.
ومثال ذلك أنهم - لغفلتهم عن الفارق بين أديان العرب الجاهلين، وأديان الهند واليونان والفرس - حسبوا أن العرب قد كان لهم شعر ديني لا بد أن يكون على مثال قصائد الهند والفرس والأساطير اليونانية الشعرية، ورتبوا على ذلك إنكار الشعر العربي المنسوب إلى الجاهليين؛ لأنه خلو من التعبير عن العبادات والشعائر وما إليها، ولكن قليلا من العلم بالتاريخ الجاهلي ينقض هذا الظن كله لما هو معلوم عن مناسك العرب الجاهليين، وإنها لم يوجد لها هيكل ترتل فيه الصلوات والأناشيد الدينية على مثال الهياكل الهندية أو الفارسية أو المحافل اليونانية، وإنما كان هيكلهم الأكبر في الكعبة مثابة فريضة ليس للشعر عمل فيها كعمله في الأشعار الدينية المشهورة، ونعني به فريضة الحج، أو زيارة الكعبة من حين إلى حين، ولو جاز أن ننفي الشعر الجاهلي الذي خلا من الدينيات لوجب أن نحل في محله شعرا آخر لم يخل من هذه الدينيات، ولو بقي ذكره ولم تبق نصوصه بأوزانه وكلماته ، سواء نظم ذلك الشعر بلغة قريش أو بلغة غيرها، لاعتقاد المستشرقين أن لغة قريش لم تشمل أنحاء الجزيرة العربية ... فأين هو ذلك الشعر الموهوم؟
ومن نقص فهم التاريخ الذي يؤدي إلى الخطأ في نقد الشعر، وفهم أطوار اللغة أن المستشرقين لم يتلفتوا إلى عموم لغة قريش بين اليهود الذين لا شك في اختلاف لغتهم الأولى عن لغات قريش، وسائر أبناء الجزيرة.
وبعض ما يستفاد من الالتفات إلى تاريخ يهود يثرب - مثلا - أنه يصحح خطأ المستشرقين؛ إذ ينكرون وحدة اللغة العربية قبل الإسلام في عصر المعلقات، والقصائد الجاهلية، ولقد كانت وحدة اللغة من مقدمات الدعوة الإسلامية التي خاطبت العرب جميعا بلسان يعرفونه من قبل عصر الإسلام ... فجاء بعض المستشرقين بوهم من أوهامهم يشككون في وحدة هذه اللغة، وينكرون اتفاق الجزيرة على التخاطب بلسان القرشيين والمكيين، ويزعمون أن وحدة هذه اللغة ممتنعة لاختلاف لسان العدنانيين والقحطانيين.
وإلى هذا الخطأ أشرنا في كتابنا مطلع النور حيث نقول:
Halaman tidak diketahui