Bahasa Arab Sebagai Makhluk Hidup
اللغة العربية كائن حي
Genre-genre
و«التوقيع» الأصل فيه «التأثير»، من قولهم: «وقع الوبر ظهر البعير توقيعا»: أثر فيه، ثم استعملوه في الإسلام لما يوقعه الكاتب على القصص المرفوعة إلى الخليفة أو السلطان أو الأمير، فكان الكاتب يجلس بين يدي السلطان في مجالس حكمه، فإذا عرضت قصة (عرضحال) على السلطان أمر الكاتب أن يوقع عليها (يؤشر) بما يجب إجراؤه، ثم تحول معناها إلى اسم علامة السلطان كالإمضاء عندنا. وعلى نحو هذا النمط تحول معنى «الإمضاء» اليوم إلى التوقيع ومعناه في الأصل «التنفيذ»، فكان توقيع السلطان على القصة عبارة عن أمر رجال الدولة في إمضائها أي تنفيذ توقيعه، ثم تحول معناها إلى التوقيع أي وضع العلامة على الصكوك ونحوها.
ومن هذا القبيل «الوظيفة»، فإن الأصل في معناها «ما يقدر من عمل وطعام ورزق وغير ذلك»، ومنها «وظف عليه الخراج ونحوه» أي قدره، فاستعملها كتاب الدولة العربية لهذا المعنى مع بعض الانحراف فقالوا: «وظف الرجل توظيفا: عين له في كل يوم وظيفة»، فالموظف هو الذي يأخذ الوظيفة أو الراتب، ثم توسعوا في لفظ الوظيفة فدلوا بها على المنصب أو الخدمة المعينة، والمشهور أن استعمالها لهذا المعنى من اصطلاحات هذا العصر، ولكنه أقدم من ذلك كثيرا فقد استعملها لهذا المعنى جماعة من فحول الكتبة، كابن خلدون في مقدمته والمقريزي في خططه وغيرهما. وتولد في أثناء تحول هذه اللفظة إلى هذا المعنى ألفاظ أخرى تقوم مقامها في معناها الأول، كالراتب والجاري والماهية (وهذه فارسية الأصل من «ماه» شهر، والماهية الشهرية.) واستحدثوا لفظة أخرى للمنصب لم يكن لها هذا المعنى من قبل وهي «الخطة»، فمعناها في «القاموس» «الأرض التي تنزلها ولم ينزل بها نازل قبلك»، و«الخطة» بالضم «الخصلة وشبه القصة والأمر والجهل» فاستعملوها بمعنى المنصب لعلاقة لا نعلمها، ومن ذلك قول ابن خلدون: «الوزارة أم الخطط الإسلامية والرتب الملوكية.» (1-2) انتقال اللفظ من معنى إلى آخر
وانتقال الألفاظ من معنى إلى آخر بلا علاقة ظاهرة بين المعنيين كثير في اللغة العربية، ومنها الأضداد أي اللفظ ذو المعنيين المتضادين. وأسباب هذا الانتقال كثيرة يصعب تتبعها في كل ما نراه من الاختلاف في معاني اللفظ الواحد أو مشتقاته، لكننا نذكر أربعة منها على سبيل المثال: (1)
دخول كلمة أعجمية لفظها يشبه لفظ كلمة عربية فيجعلونها من مشتقاتها، كما فعلوا بالبلاط بمعنى القصر فإنهم أخذوها عن اللاتينية، فأشبهت لفظ البلاط الحجر المعروف فجعلوها من مشتقات «بلط».
ومثل قولهم «تباشير»، فقد شقها «القاموس» من «بشر» فقال: «التباشير البشرى ... وتباشير الصبح أوائله، وكذلك أوائل كل شيء، ولا يكون منه فعل.» واللفظة فارسية مركبة من «تبا» مثل، و«شير» لبن، أي أبيض كاللبن. وكان الفرس يدلون بها على بياض الصبح عند أول شروق الشمس، فاقتبسها العرب منهم ودلوا بها على أوائل كل شيء وعلى البشرى. (2)
استعمال لفظين معا لمعنى ثم إهمال أحدهما بالاستعمال التماسا للاختصار، فيبقى الآخر للدلالة على ذلك المعنى، مثل قولهم: «ارتفاع» بمعنى جباية، فيقولون: «ارتفاع الدولة» ويريدون مقدار جبايتها أي مجموع دخلها. وليس في هذه اللفظة ما يلمح منه هذا المعنى ولا ذكره لها «القاموس»، وأصل هذه الدلالة أنهم كانوا يستعملون «ارتفاع» مع لفظ «جباية» فيقولون: «ارتفاع جباية الدولة»، أي مقدار ما بلغت إليه جبايتها (من «ارتفع السعر» أي غلا)، ثم أسقطوا «الجباية» للاختصار فظلت «ارتفاع» وحدها لنفس ذلك المعنى.
ومثل ذلك قولهم: «أشفى العليل» بمعنى «امتنع شفاؤه» (أي ضد معنى المادة الأصلي الشفاء.) وسبب هذا التضاد أن «أشفى» من مشتقات «شفا» الواوية بمعنى الإشراف أو الاقتراب، وليس من مشتقات «شفى» اليائية كما أوردها «القاموس»، فكانوا يقولون: «أشفى المريض على الموت» أي أشرف عليه، ثم اختصروه فقالوا: «أشفى المريض» لنفس هذا المعنى، والتبس على صاحب «القاموس» أصل مادتها فعدها من مشتقات «شفى».
وكذلك قولهم «عقد له» بمعنى «ولاه»، وليس في مادة «عقد» ما يقرب من هذا المعنى، ولا رأينا في «القاموس» أنها تستعمل لمعنى الولاية، ولكنها كثيرة الورود في كتب التاريخ لهذا المعنى. والأصل في هذه الدلالة أن الخلفاء في صدر الإسلام كانوا إذا وجهوا جيشا إلى حرب عقدوا له الألوية وسلموها إلى الأمراء لكل أمير لواء، وكان توجيههم إلى الفتح يتضمن معنى الألوية على البلاد التي يفتحونها، ثم صار الخلفاء بعدهم يعقدون ذلك اللواء للأمراء عند توليتهم بعض الإمارات فيقال: «عقد له اللواء على البلد الفلاني»، أي ولاه إياه، ثم اختصروا فقالوا: «عقد له.»
ولمثل هذا السبب يستعمل كتابنا اليوم «برهة» بمعنى الزمن القصير وهي تدل في الأصل على الزمن الطويل، فالظاهر أنهم كانوا يقولون: «برهة قصيرة» أو «برهة وجيزة» للزمن القصير، ثم استعملوا «برهة» وحدها لهذا المعنى. (3)
تفرع اللفظ الواحد بالقلب والإبدال إلى ألفاظ كثيرة تدل على تفرعات المعنى الأصلي، وأمثلة ذلك كثيرة في اللغة لا حاجة إلى ذكرها. ولكن قد يتنوع المعنى ويبقى اللفظ على حاله فيندر أن يهتدى إلى سبب ذلك التنوع، ومن أغرب الأمثلة على ذلك «جن» ومشتقاتها، فإنها تدل على معان كثيرة ترجع إلى الظلمة والاختفاء والجنون والجن والجنة، ولا يخفى ما بين هذه المعاني من التباين والتناقض. فلنتبع هذه اللفظة إلى أصلها لعلنا نهتدي إلى تعليل هذا الاختلاف:
Halaman tidak diketahui