El Gallo Sultan »، ولكنه بعد ذلك إلى الاسم المجرد المقترح أولا، وكانت فكرة لوركا عن هذه المجلة تتجاوزها إلى تكوين حركة أدبية وفنية تكون المجلة نواتها، فقبل صدور العدد الأول من «الديك» في 9 من مارس 1928، أقيمت مأدبة كبرى لمحرريها، كما جرى التخطيط لإصدار سلسلة من الكتب الطليعية تسمى «مطبوعات الديك»، وتم تنظيم أمسيات شعرية ونقدية في «أتنيو غرناطة»، تدعو لها الجماعة وتنظم تحت اسم «أمسيات الديك»، وكان مدير المجلة هو شقيق الشاعر فرانسيسكو لوركا، وتضم هيئة التحرير، عدا شاعرنا: «خواكين أميجو» «فرانسسكو أيالا»، وغيرهما من رفاق الشاعر، وكتب في العدد الأول من المجلة لوركا، وخورخيه جيين، وخوسيه برجامين، ورسم فيه دالي «ومانويل أورتيث»، وقد أثارت الصفة الجديدة الطليعية للمجلة دهشة قرائها، حتى أن لوركا كتب عن صدور عددها الأول قائلا: «لقد أثارت مجلة «الديك» ضجة حقيقية في غرناطة، إن غرناطة مدينة أدبية، ولم يمر بها أبدا شيء «جديد»؛ ولهذا فقد أثارت المجلة من الضجة ما لا يمكن تخيله، وقد نفد العدد في يومين، ويدفعون الآن ضعف ثمنه للحصول عليه، وفي الجامعة، أثارت أمس معركة بين المؤيدين للمجلة والمعارضين لها، ولا حديث للناس والمقاهي والاجتماعات والبيوت إلا عنها».
ثم صدر العدد الثاني في أبريل، واحتوى على بعض أعمال لوركا الشعرية، وترجمة إلى الإسبانية للبيان «اللافني» الذي وقعه الفنانون الطليعيون في برشلونة، وسبق نشره بالقطلانية في مجلة «أصدقاء الفنون»، ورغم أن لوركا قد عمل في الشهور التالية في الأعداد لإصدار العدد الثالث من المجلة، إلا أن ذلك العدد لم ير النور أبدا، وتوقفت المجلة لانشغال هيئة التحرير، والشاعر نفسه، في مشاريع فنية أخرى، خاصة وأن «سلفادور دالي» كان يتأهب لشد الرحال نهائيا إلى باريس بعد زيارات متقطعة لها، كما لا يغرب عن البال أن من بين أسباب عدم استمرار المجلة أنها كانت جريئة أكثر مما تحتمله مدينة محافظة مثل غرناطة.
وكان من أسباب انشغال لوركا عن مواصلة إصدار المجلة، تلك الأزمة النفسية الغامرة التي طحنته في تلك الأيام، والتي يتحدث عنها أصدقاؤه ورفاقه دون أن يتفقوا على أسبابها ودوافعها ... فبالرغم أن عام 1928م شهد تحقيق حلم الشاعر في إصدار مجلته، كما شهد أيضا النجاح المدوي الذي ناله ديوانه «حكايا الغجر»، فلم يكن لوركا يبدو سعيدا، بل كان يميل إلى الكآبة والحزن، كتب في مايو ل «خورخيه جيين» يقول: «ليست حالتي الروحية على ما يرام، إنني أمر بأزمة عاطفية كبرى، آمل أن أخرج منها معافى»، وقال في خطاب آخر في سبتمبر للكاتب الكولومبي «خورخيه ثالايا»: «أنا أيضا في غاية السوء، إن الأمر يحتاج إلى كل ما وهبه لي الله من فرح حتى لا أتهاوى أمام كمية الصراعات التي هاجمتني مؤخرا، بيد أن الله لا يتخلى عني أبدا، لقد عملت كثيرا، وما أزال أعمل، فبعد أن أتم «أناشيدي» التي أعمل فيها، سأغلق تلك الدورة الشعرية كيما أبدأ دورة أخرى، دورة من الشعر الذي «يفجر الشرايين»، شعر بجانب «الواقع ويجسم انفعالاتي التي ينعكس فيها كل حبي للأشياء ...».»
ومع مطلع عام 1929م، يغرق فديريكو أحزانه في العمل وفي الفن، ما بين كتابة قصائد جديدة، وإلقاء المحاضرات، وحضور الندوات، ونشرت له «المجلة الأدبية» في مدريد قصيدة نثرية بعنوان «ذبح الأبرياء» مصورة بريشة «سلفادور دالي»، وكانت جماعة مسرحية تسمى «الثعبان» تجري البروفات لإخراج مسرحية «دون تشمبرلين»، وهي مسرحية قصيرة كتبها لوركا في تلك الفترة، ولكن منعت الرقابة عرضها بسبب موضوعها الجريء على المستوى الأخلاقي السائد أيامها في إسبانيا؛ حيث تتنازعها القوى المحافظة الممثلة في الملكية والكنيسة والإقطاع، والقوى التقدمية التي يمثلها الطليعيون من المفكرين والمثقفين والفنانين.
ولكن ... هل صحيح ما يذكره بعض النقاد عن أن أصل أزمته النفسية هي حب فاشل مع «آن ماري دالي» أخت «سلفادور دالي»؟ الواقع أن بعض من كتبوا سيرة حياة لوركا قد أشاروا إلى ذلك دون أن يقطعوا فيه برأي، نظرا إلى عدم توفر أدلة ثابتة على ذلك ... ولكن الثابت هو أن جميع هذه العوامل قد تفاعلت في نفس الشاعر، فدفعته إلى السعي إلى الابتعاد عن إسبانيا بعض الوقت، للخروج مما سماه «الخدر العاطفي» الذي كان يشعر به آنذاك، وقد هيأ له راعيه وصديقه «فرناندو دي لوس ريوس» الأستاذ بجامعة غرناطة الفرصة لذلك، حين عرض عليه أن يسافر معه في رحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بأن حصل له على منحة لدراسة اللغة الإنجليزية في جامعة كولومبيا بنيويورك مدتها عام واحد.
وقد سارع لوركا بنقل قراره السفر في تلك الرحلة إلى صديقه «كارلوس مورا» الدبلوماسي الشيلي في مدريد في خطاب له قال: «أي كارلوس، مساء السبت أغادر غرناطة لأكون في مدريد صباح الأحد، وسأبقى هناك يومين أرتب فيها بعض أموري بها، ثم أسافر من فوري إلى باريس فلندن، حيث أبحر منها إلى نيويورك، أيدهشك هذا؟ إني أكاد أموت ضحكا من قراري هذا، ولكنه يناسبني وهو هام لحياتي ... إن نيويورك تبدو لي فظيعة، ولكني ذاهب إليها لهذا السبب نفسه، أعتقد أنني سأسر فيها، إني أرحل برفقة صديقي العظيم «فرناندو دي لوس ريوس»، وهو أستاذ قديم لي وشخصية ساحرة للغاية، وهذا سيسهل أموري هناك، فأنا كما تعلم لا حيلة لي في أمور الدنيا العملية.»
وهكذا رحل الشاعر بصحبة الأستاذ في أواخر مايو 1929م، ولم يبدو أن «باريس» و«لندن» قد تركتا كبير أثر في نفس لوركا، أكثر من روعته أمام اللوحات المشهورة في متحف «اللوفر» وكنوز المتحف البريطاني، وبعد لندن، قاما بزيارة سريعة إلى أكسفورد لزيارة العلامة الإسباني «سلفادور دي مادرياجا»، الذي كان مقيما هناك، ومن أكسفورد ذهبا بالقطار إلى ميناء «ساوثامبتون»، حيث أبحرت بهما عابرة المحيطات «أوليمبيك» فجرا إلى نيويورك.
التجربة الأمريكية
حتى قبل أن ترسو السفينة بلوركا في ميناء نيويورك، داهمه الحنين إلى الوطن، فنراه يكتب وهو ما زال على ظهر السفينة إلى صديقه «كارلوس مورلا» يقول: «يجتاحني كل يوم نهم إلى بلادي وإلى صالونك ... حنين إلى الثرثرة معكم وإلى أن أغني لكم أغنيات إسبانيا العتيقة ... لا أدري لماذا سافرت؟ إني أسأل نفسي هذا السؤال مائة مرة في اليوم ... أتطلع إلى صورتي في مرآة القمرة العتيقة فلا أتعرف على نفسي ... إني أبدو «فديريكو» آخر.»
ووصلت السفينة إلى ميناء نيويورك في أواخر شهر يونيو، ونزل لوركا في حجرة في مدينة الطلاب الملحقة بجامعة كولومبيا في قلب نيويورك النابض، وفي قاعة تدعى قاعة «جون جاي»، وعكف الشاعر منذ البداية على التعرف على الأوساط الإسبانية في المدينة الهائلة، أكثر من اهتمامه بمتابعة دروس اللغة الإنجليزية، التي سرعان ما هجرها بعد اقتناعه بأنه لا يصلح أساسا لتعلم هذه اللغة ... ويقول عنه راعيه الثقافي في نيويورك - أنخل دل ريو، أستاذ الأدب الإسباني في جامعة «كولومبيا»: «لقد رحل عن نيويورك دون أن يتعلم كلمة واحدة بالإنجليزية، وكان ينطق الكلمات القليلة التي يضطر أحيانا إلى استخدامها، بالنطق الإسباني!»
Halaman tidak diketahui