واطمأن إلى أن تناثر القبور يحول دون رؤيته، فلم يتحرك، وصمم على الموت، وتساءل صوت في حزم: ألا ترى أنه لا فائدة من المقاومة؟
وشعر باقتراب الصوت عما قبل فصاح مكرها: الويل لمن يقترب! - حسن، ماذا تنوي؟ اختر بين الموت وبين الوقوف أمام العدالة.
فصرخ بازدراء: العدالة! - أنت عنيد، أمامك دقيقة واحدة!
ورأت عيناه المعذبتان بالخوف شبح الموت يشق الظلام، وجفلت سناء بلا أمل، وأحس حركة غادرة فاستشاط غضبا وأطلق النار، وانهال الرصاص حوله فخرق أزيزه أذنيه، وتطاير نثار القبور، وأطلق الرصاص مرة أخرى، وقد ذهل عن كل شيء، فانصب الرصاص كالمطر، وفي جنون صرخ: يا كلاب!
وواصل إطلاق النار في جميع الجهات.
وإذا بالضوء الصارخ ينطفئ بغتة فيسود الظلام، وإذا بالرصاص يسكت فيسود الصمت، وكف عن إطلاق النار بلا إرادة، وتغلغل الصمت في الدنيا جميعا، وحلت بالعالم حال من الغرابة المذهلة، وتساءل عن ... ولكن سرعان ما تلاشى التساؤل وموضوعه على السواء، وبلا أدنى أمل، وظن أنهم تراجعوا وذابوا في الليل، وأنه لا بد قد انتصر، وتكاثف الظلام فلم يعد يرى شيئا ولا أشباح القبور، لا شيء يريد أن يرى، وغاص في الأعماق بلا نهاية، ولم يعرف لنفسه وضعا ولا موضعا ولا غاية، وجاهد بكل قوة ليسيطر على شيء ما، ليبذل مقاومة أخيرة؛ ليظفر عبثا بذكرى مستعصية، وأخيرا لم يجد بدا من الاستسلام فاستسلم بلا مبالاة ... بلا مبالاة ...
Halaman tidak diketahui