وكان عباس مطرقا فحين سكتت قال في استخزاء: كنت أفكر ماذا نستطيع أن نصنع. - كانت ثقتي أننا سنترك للحب أن يصنع كل شيء، لقد فقدتك يا عباس يوم أعطيتك نفسي. - لا ... لا أبدا يا إيفون ... كل ما في الأمر أنني لا أدري ماذا يمكن أن نصنع.
وقالت إيفون في ثقة وجمود وتحد: لقد صنعت أنا.
وفي دهشة منتفضة قال عباس: ماذا صنعت؟ - تركت بيت أبي وتسلمت وظيفة، وجئت اليوم أدعوك أن نتزوج ونعيش معا ونحقق الآمال التي كنا نبنيها للمستقبل. - ماذا؟!
ونظرت إليه إيفون مليا دون أن تقول شيئا، ومضى عباس يقول بعد تفكير قليل: والكلية؟ وأبي؟ - إن مرتبي يكفي ونستطيع أن نعيش. - أترك أبي؟ - لقد تركت أنا أبي . - ولكن ... ولكن ...
وظلت إيفون ناظرة إليه تنتظر حجته القادمة، ولكنها أدركت في لحظتها تلك أنها فقدت عباس إلى الأبد. ولم يطل عباس السكوت بل قال: ولكن هل أعيش على نفقتك؟ - أنا إيفون، أنسيت من أنا؟ أنا أنت. - ولكنك على كل حال امرأة. أنا لا أقبل أن أعيش من إنفاق امرأة.
وفي وجوم جامد قالت إيفون: عجيبة!
وكأنما أحس عباس أن حجته قوية فهو يوغل في الاعتماد عليها. - وما العجيبة في هذا؟! العجيبة أن أقبل ... - إذن فهي التقاليد، وأحكام المجتمع، وكل ما كنت تدعي أنك تكفر به. - بل إني ... بل إني ... بل إني أنا مقتنع أنه لا يجوز لامرأة أن تنفق على رجل. - أليس اقتناعك هذا من قوانين المجتمع التي كنت تقول إنك غير مؤمن بها. - بل ... بل من وحي اقتناعي أنا ... هذا مبدأ أنا أحترمه ولا أقبل غيره ... أأعيش من إنفاقك؟ أهذه أخلاق؟! - إذن فالأخلاق أن تعتدي علي وتحطم حياتي كلها وتجعل مني شقاء لأبي وعارا لأسرتي ولا تقبل أن تعيش من كدي الشريف النقي؟! أين الأخلاق فيما تقول؟! أين الشرف الذي تحاول أن تدعيه؟ - هذه مسألة مبدأ. - كن ما تريد أن تكون، ولكن لا تحتمي من عجزك وراء الشرف والتقاليد والأخلاق. - إيفون!
واندفعت إيفون في غير توقف: أن تحطم حياتي وتقتلني بين أهلي وبين الناس أهون عندك من أن تعيش من كسبي الشريف. أهذا هو الشرف عندك؟! أنا لن أقول لك اعتبر ما أدفعه لك أثناء تعليمك سلفة تردها حين تستطيع؛ لأني أعرف أنك لا تؤمن حقا بما تقول، وإنما أنت تجعل من حديثك الزائف ستارا تحتمي خلفه وهيهات! لن أقول لك شيئا فأنا أعرف أن شيئا لن يفيد، وداعا ولن أراك.
وقامت إيفون وأولته ظهرها وهمت بالمسير، وقال عباس في اضطراب: إيفون.
وتوقفت لحظة، ثم لم تسمع شيئا فمشت عنه في خطوات حازمة وقلب مليء بالقلق والخوف والغضب.
Halaman tidak diketahui