Mengapa Orang Islam Terlambat dan Orang Lain Maju?
لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟
Genre-genre
كتاب الشيخ محمد بسيوني عمران
جواب الأمير شكيب أرسلان
أهم أسباب تأخر المسلمين
لماذا لا نسمي اليابان وأوروبا رجعية بتدينهما
غوائل الجامدين في الإسلام والمسلمين
كون المسلمين الجامدين فتنة لأعداء الإسلام وحجة عليه
مدنية الإسلام
الرد على حساد المدنية الإسلامية المكابرين
حث القرآن على العلم
أسباب انحطاط المسلمين في العصر الأخير
Halaman tidak diketahui
هكذا إذا توجهت الهمم
خلاصة الجواب
كتاب الشيخ محمد بسيوني عمران
جواب الأمير شكيب أرسلان
أهم أسباب تأخر المسلمين
لماذا لا نسمي اليابان وأوروبا رجعية بتدينهما
غوائل الجامدين في الإسلام والمسلمين
كون المسلمين الجامدين فتنة لأعداء الإسلام وحجة عليه
مدنية الإسلام
الرد على حساد المدنية الإسلامية المكابرين
Halaman tidak diketahui
حث القرآن على العلم
أسباب انحطاط المسلمين في العصر الأخير
هكذا إذا توجهت الهمم
خلاصة الجواب
لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟
لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟
تأليف
الأمير شكيب أرسلان
المقدمة
بقلم محمد رشيد رضا
Halaman tidak diketahui
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
1
ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
2
إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .
3
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون .
4
كتب إلي تلميذي المرشد الشيخ محمد بسيوني عمران إمام مهراجا جزيرة سمبس برنيو (جاوه) كتابا يقترح فيه على أخينا المجاهد أمير البيان أن يكتب للمنار مقالا بقلمه السيال في أسباب ضعف المسلمين في هذا العصر، وأسباب قوة الإفرنج واليابان وعزتهم بالملك والسيادة والقوة والثروة، وقال في كتاب آخر: إنه قرأ ما كتبناه في المنار وتفسيره من بيان الأسباب في الأمرين، وما كتبه الأستاذ الإمام في مقالات (الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية) في الموضوع، وإنما غرضه أن يكتب في ذلك أمير البيان بقلمه المؤثر المعبر عن معارفه الواسعة، وآرائه الناضجة؛ لتجديد التأثير في أنفس المسلمين بما يناسب حالهم الآن؛ لتنبيه غافلهم، وتعليم جاهلهم، وكبت خاملهم، وتنشيط عاملهم، وبني الاقتراح على الأسئلة الآتية التي صارت مثار شبهة على الدين عند غير علمائه، فهو يعلم مما سمعه من دروسنا في مدرسة الدعوة والإرشاد، ومما كتبناه مرارا في المنار والتفسير أن كتاب الله تعالى حجة على أدعياء الإسلام والإيمان، وليسوا هم حجة عليه.
Halaman tidak diketahui
اقترحت هذا الاقتراح لحمل أخي ووليي الأمير شكيب على كتابة شيء مثل هذا للمنار، وأنا الذي أنصح له دائما بتخفيف أحمال الكتابة عن عاتقه؛ لكثرة ما يكتب لصحف الشرق والغرب، وللأصدقاء غيرهم، فأرسلت إليه كتاب الشيخ محمد بسيوني عقب وصوله إلي، فأرجأ الجواب عنه؛ لكثرة الشواغل، إلى أن عاد من رحلته الأخيرة إلى إسبانية، وقد أثرت في نفسه مشاهد حضارة قومنا العرب في الأندلس والمغرب الأقصى، وشاهد تأثير محاولة فرنسة - تنصير - شعب البربر في المغرب؛ تمهيدا لتنصير عرب أفريقية المرزوئين باستعبادها لهم، كما فعلت إسبانية في سلفهم في الأندلس - فكتب الجواب منفعلا بهذه المؤثرات، فكان آية من آيات بلاغته، وحجة من حجج حكمته، لعلها أنفع ما تفجر من ينبوع غيرته، وانبجس من معين خبرته، فسال من أنبوب براعته، جزاه الله خير ما جزى المجاهدين الصادقين.
هوامش
كتاب الشيخ محمد بسيوني عمران
حضرة مولاي الأستاذ المصلح الكبير السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار، نفعني الله والمسلمين بوجوده العزيز، آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فإن من قرأ ما كتبه في المنار وفي الجرائد العربية العلامة السياسي الكبير أمير البيان، الأمير شكيب أرسلان، من مقالاته الرنانة المختلفة المواضيع، عرف أنه من أكبر كتاب المسلمين المدافعين عن الإسلام، وأنه أقوى ضلع للمنار وصاحبه في خدمة الإسلام والمسلمين، وإني أرجو من الله تعالى أن يطيل بقاءهما الشريف في خير وعافية - كما أرجو من مولاي الأستاذ صاحب المنار أن يطلب من هذا الأمير الكاتب الكبير أن يتفضل علي بالجواب عن أسئلتي الآتية؛ وهي: (1)
ما أسباب ما صار إليه المسلمون (ولا سيما نحن مسلمو جاوة وملايو) من الضعف والانحطاط في الأمور الدنيوية والدينية معا، وصرنا أذلاء لا حول لنا ولا قوة، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز:
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين .
1
فأين عزة المؤمنين الآن؟ وهل يصح لمؤمن أن يدعي أنه عزيز، وإن كان ذليلا مهانا ليس عنده شيء من أسباب العزة إلا أن الله تعالى قال:
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين . (2)
Halaman tidak diketahui
ما الأسباب التي ارتقى بها الأوروبيون والأمريكانيون واليابانيون ارتقاء هائلا؟ وهل يمكن أن يصير المسلمون أمثالهم في هذا الارتقاء إذا اتبعوهم في أسبابه مع المحافظة على دينهم «الإسلام» أم لا؟
هذا؛ والمرجو من فضل الأمير أن يبسط الجواب في المنار عن هذه الأسئلة، وله وللأستاذ صاحب المنار من الله الأجر الجزيل.
محمد بسيوني عمران
سنبس بورنيو الغربية
في 21 ربيع الآخر سنة 1348 •••
هذا نص كتاب السائل ويتلوه جواب الأمير، وقد وضعنا له بعض العناوين؛ لأنها كمحطات الطريق للسالكين، وعلقنا عليه قليلا من الحواشي المفيدة للقارئين، كما فعلنا ذلك في كتاب الإسلام والنصرانية لشيخنا الأستاذ الإمام - رحمه الله.
ملاحظة: الحواشي التي من قلم العلامة السيد رشيد رضا - رحمه الله - عليها التوقيع بحرف (ر)، والحواشي المضافة إلى هذه الطبعة من قلم المؤلف عليها التوقيع بحرف (ش).
هوامش
جواب الأمير شكيب أرسلان
إن الانحطاط والضعف اللذين عليهما المسلمون شيء عام لهم في المشارق والمغارب لم ينحصر في جاوة وملايو، ولا في مكان آخر، وإنما هو متفاوت في دركاته، فمنه ما هو شديد العمق، ومنه ما هو قريب للغور، ومنه ما هو عظيم الخطر، ومنه ما هو أقل خطرا.
Halaman tidak diketahui
وبالإجمال حالة المسلمين الحاضرة ولا سيما مسلمي القرن الرابع عشر للهجرة أو العشرين للمسيح، لا ترضي أشد الناس تحمسا بالإسلام وفرحا بحزبه، فضلا عن غير الأحمسي من أهله.
إن حالتهم الحاضرة لا ترضي؛ لا من جهة الدين، ولا من جهة الدنيا، ولا من جهة المادة، ولا من المعنى، وإنك لتجد المسلمين في البلاد التي يساكنهم فيها غيرهم متأخرين عن هؤلاء الأغيار لا يساكنهم في شيء إلا ما نزر، ولم أعلم من المسلمين من ساكنهم أمم أخرى في هذا العصر، ولم يكونوا متأخرين عنهم إلا بعض أقوام منهم ؛ وذلك كمسلمي بوسنه مثلا فإنهم ليسوا في سوي مادي ولا معنوي أدنى من سوي النصارى الكاثوليكيين، أو النصارى الأرثوذكسيين الذين يحيطون بهم، بل هم أعلى مستوى من الفريقين،
1
وككثير من مسلمي الروسية الذين ليس المسيحيون الذين يحاورونهم أرقى من الطوائف المسيحية التي تساكنهم، ولا خلاف في أن مسلمي الصين إجمالا على تأخرهم هم أرقى من الصينين البوذيين، هذا إذا كانت النسبة بين الفريقين باقية كما كانت قبل الحرب العامة، وفيما عدا هذه الأماكن نجد تأخر المسلمين عن مسايرة جيراهم عاما مع تفاوت في دركات التأخر.
ويقال: إن العرب في جزيرة سنغافورة هم أعظم ثروة من جميع الأجناس التي تساكنهم حتى من الإنكليز أنفسهم بالنسبة إلى العدد، ولا أعلم مبلغ هذا الخبر من الصحة، ولكنه على فرض صحته ليس بشيء يقدم أو يؤخر في ميزانية المسلمين العامة.
ولا إنكار أن في العالم الإسلامي حركة شديدة، ومخاضا عظيما شاملا للأمور المادية والمعنوية، ويقظة جديرة بالإعجاب؛ قد انتبه لها الأوروبيون وقدروها قدرها، ومنهم من هو متوجس خيفة مغبتها، لا يخفى هذا الخوف من تضاعيف كتاباتهم، إلا أن هذه الحركة إلى الأمام لم تصل بالمسلمين حتى اليوم الأول إلى درجة يساوون بها أمة من الأمم الأوروبية أو الأميريكية أو اليابان.
فبعد أن تقرر هذا وجب أن نبحث في الأسباب التي أوجدت هذا التقهقر في العالم الإسلامي، بعد أن كان منذ ألف سنة هو الصدر المقدم، وهو السيد المرهوب المطاع بين الأمم؛ شرقا وغربا، فقبل أن نبحث في أسباب الارتقاء فنقول:
أسباب ارتقاء المسلمين الماضي
إن أسباب الارتقاء كانت عائدة في مجملها إلى الديانة الإسلامية التي كانت قد ظهرت جديدا في الجزيرة العربية فدان بها قبائل العرب، وتحولوا بهدايتها من الفرقة إلى الوحدة، ومن الجاهلية إلى المدنية، ومن القسوة إلى الرحمة، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الواحد الأحد، وتبدلوا بأرواحهم الأولى أرواحا جديدة، صيرتهم إلى ما صاروا إليه من عز ومنعة، ومجد وعرفان وثروة، وفتحوا نصف كرة الأرض في نصف قرن، ولولا الخلاف الذي عاد فدب بينهم منذ أواخر خلافة عثمان وفي خلافة علي - رضي الله عنهما - لكانوا أكملوا فتح العالم، ولم يقف في وجههم واقف.
على أن تلك الفتوحات التي فتحوها في نصف قرن أو ثلثي قرن - برغم الحروب التي تسببت بها مشاقة معاوية لعلي والحروب التي وقعت بين بني أمية وابن الزبير - قد أدهشت عقول العقلاء والمؤرخين والمفكرين، وحيرت الفاتحين الكبار، وأذهلت نابليون بونابرت أعظمهم، وله تصريح في ذلك نقله عنه «لاكاس» الذي رافقه إلى جزيرة «سانت هيلانة» وغيره من المقيدين لحوادث نابليون المتبعين لأقواله؛ فقد ثبت ثبوتا قطعيا من أقوال ذلك الفاتح العظيم وسيرته أيام كان بمصر أنه كان معجبا بمحمد وعمر وبكثير من أبطال الإسلام، وإن نفسه حدثته لما كان بمصر أن يتخذ الإسلام دينا له.
Halaman tidak diketahui
فالقرآن قد أنشأ - إذا - العرب نشأة مستأنفة، وخلقهم خلقا جديدا، وأخرجهم من جزيرتهم والسيف في إحدى اليدين والكتاب في الأخرى يفتحون ويسودون، ويتمكنون في الأرض بطولها وعرضها.
ولا عبرة بما يقال في شأن العرب قبل الإسلام، وما يروى من فتوحات لهم ومدنيات أثيلة، وما ينوه به من أخلاق عظام في الجاهلية، فهذه ولا جدال قد كانت ولا تزال آثارها ظاهرة، ولا شك في مدنية العرب القديمة، وأنها من أقدم مدنيات العالم على الإطلاق، ومما يرجح أن الكتابة قد بدأت عندهم، وأنه لو فرض أن الفينيقيين الذين اخترعوا الكتابة في العالم، فالفينيقيون في الحقيقة أمة سامية عربية، ولكن دائرة تلك المدنية كانت محدودة مقصورة على الجزيرة وما جاورها، وقد أتى على العرب حين من الدهر سادهم الغرباء في أرضهم، وأذلهم الأجانب في عقر دارهم، كالفرس في اليمن وعمان والحيرة، وكالحبشة في اليمن، وكالروم في أطراف الحجاز ومشارف الشام، والحقيقة أنهم لم يستقلوا استقلالا حقيقيا واسعا إلا بالإسلام، ولم تعرفهم الأمم البعيدة وتخنع لهم الممالك العظام والقياصرة والأكاسرة، وتتحدث بصولتهم الناس، ولم يقعدوا من التاريخ المقعد الذي أحلهم في الصف الأول من الأمم الفاتحة، إلا بمحمد
صلى الله عليه وسلم .
فالسبب الذي به نهضوا وفتحوا، وسادوا وشادوا ، وبلغوا هذه المبالغ كلها من المجد والرقي، يجب علينا أن نبحث عنه وننشده، ونخفي المسألة ونمعن في النشدان: أهو باق في العرب وهم قد تأخروا برغم وجوده، وتأخر معهم تلاميذهم الذين هم سائر المسلمين، أم قد ارتفع هذا السبب من بينهم، ولم يبق من الإيمان إلا اسمه، ومن الإسلام إلا رسمه، ومن القرآن إلا الترنم به، دون العمل بأوامره ونواهيه، إلى غير ذلك مما كان في صدر الملة، وعنجهية الشريعة.
فقد المسلمين السبب الذي ساد به سلفهم
إذا فحصنا عن ذلك وجدنا أن السبب الذي به استقام هذا الأمر قد أصبح مفقودا بلا نزاع، وإن كان بقي منه شيء كباقي الوشم في ظاهر اليد؛ فلو كان الله تعالى وعد المؤمنين بالعزة بمجرد الاسم دون الفعل لكان يحق لنا أن نقول: أين عزة المؤمنين؟ من قوله تعالى:
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين .
2
ولو كان الله قد قال:
وكان حقا علينا نصر المؤمنين .
Halaman tidak diketahui
3
بمعنى أنه ينصرهم بدون أدنى مزية فيهم سوى أنهم يعلنون كونهم مسلمين، لكان ثمة محل للتعجب من هذا الخذلان بعد ذلك الوعد الصريح بالنصر، ولكن النصوص التي في القرآن هي غير هذا، فالله غير مخلف وعده، والقرآن لم يتغير، وإنما المسلمون هم الذين تغيروا، والله تعالى أنذر بهذا فقال:
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
4
فلما كان المسلمون قد غيروا ما بأنفسهم كان من العجب أن لا يغير الله ما بهم، وأن لا يبدلهم الذل والضعة، من ذلك العز وتلك الرفعة، بل كان ذلك يعد منافيا للعدل الإلهي، والله - عز وجل - هو العدل المحض.
كيف ترى في أمة ينصرها الله بدون عمل، ويفيض عليها الخيرات التي كان يفيضها على آبائها، وهي قد قعدت عن جميع العزائم التي قد كان يقوم بها آباؤها؟! وذلك يكون أيضا مخالفا للحكمة الإلهية والله هو العزيز الحكيم، وما قولك في عزة دون استحقاق، وفي غلة دون حرث ولا زرع، وفي فوز دون سعي ولا كسب، وفي تأييد دون أدنى سبب يوجب التأييد؟!
لا جرم أن هذا مما يغري الناس بالكسل، ويحول بينهم وبين العمل، بل مما يخالف النواميس التي أقام الله الكون عليها، وهو مما يستوي به الحق والباطل، والضار والنافع، والموجب والسالب، وحاشا الله أن يفعل ذلك، ولو أيد الله مخلوقا بدون عمل لأيد من دون عمل محمدا رسوله ولم يحوجه إلى القتال والنزال والنضال، واتباع سنن الكون الطبيعية للوصول إلى الغاية.
وتصور أمة لله عندها مئة وهي تؤدي من المئة خمسة فقط، أتعد نفسها قد أدت ما عليها وهي تطمع في أن يكافئها الله كما كان يكافئ أجدادها الذين كانوا يؤدون المئة مئة، وإن قصروا عن المئة أدوا بالأقل تسعين أو ثمانين منها؟! كل هذا مخالف لما وعد الله على رسله، ومخالف للعقل والمنطق، ومخالف لحكمة التشريع، وليس هذا هو الشرط الذي شرطه الله على المؤمنين، وليس هذا هو البيع الذي يستبشر به المؤمنون.
قال الله تعالى:
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم .
Halaman tidak diketahui
5
فأين حالة المسلمين اليوم من هذا الوصف الذي في كتاب الله؟ وأين حالتهم من سلفهم الذين كانوا يتهافتون على الموت الأحمر؛ لإحراز الشهادة، وكثيرا ما كانوا ينشدون الموت ولا يجدونه؟! وكان فارسهم يكر وهو يقول: إني لأشم ريح الجنة، ثم لا يزال يكر ويخوض غمرات الحرب حتى إذا استشهد قال: هذا يوم الفرح، وإذا فاتته الشهادة برغم حرصه عليها عاد إلى قومه حزينا كئيبا.
المقابلة بين حالي المسلمين والإفرنج اليوم
اليوم فقد المسلمون أو أكثرهم هذه الحماسة التي كانت عند آبائهم، وإنما تخلق بها أعداء الإسلام الذين لم يوصهم كتابهم بها، فتجد أجنادهم تتوارد على حياض المنايا سباقا، وتتلقى الأسنة والحراب عناقا، ولقد كان مبلغ مفاداتهم بالنفائس وتضحيتهم للنفوس في الحرب العامة فوق تصور عقول البشر، كما يعلم ذلك لك أحد؛ فالألمان فقدوا نحو مليوني قتيل، والفرنسيون فقدوا مليونا وأربع مئة ألف قتيل، والإنكليز فقدوا ست مئة ألف قتيل، والطليان فقدوا أربع مئة وستين ألف قتيل، والروس هلك منهم ما يفوق الإحصاء، وهلم جرا، هذا من جهة النفوس، وإنكلترا بذلت سبعة مليارات من الذهب (أي سبعة آلاف مليون جنيه) وفرنسة بذلك نحو مليارين، وألمانيا أنفقت ثلاثة، وإيطالية أنفقت خمس مئة مليون، وروسية أنفقت ما أوقع فيها المجاعة التي آلت إلى الثورة ثم إلى البلشفة، وهلم جرا.
فليقل لي قائل: أية أمة مسلمة اليوم تقدم على ما أقدم عليه هؤلاء النصارى من بيع النفوس، وإنفاق الأموال بدون حساب في سبيل أوطانهم ودولهم، حتى نعجب نحن لماذا آتاهم الله هذه النعمة والعظمة والثروة، وحرم المسلمين اليوم أقل جزء منها؟
وقد يقال: إن المسلمين فقراء ليس عندهم هذه الأموال لينفقوا هذا الإنفاق كله، فنجيب بأننا نوزع هذه النفقات على الأوروبيين بنسبة رأس المال، لا نكلف المسلمين إلا الإنفاق مثل الأوروبيين على هذه النسبة، فهل تسخو الأمم الإسلامية الحاضرة بما تسخو الأمم الأوروبية التي منها من قد أنفقت في الحرب العامة أكثر من نصف ثروتها؟
الجواب: لا، ليس في المسلمين اليوم من يفعل ذلك لا أفرادا ولا أقواما، وندر في المسلمين من ينفق الزكاة الشرعية.
وقد يقال: إن الأمة التركية وهي أمة مسلمة قد أنفقت كل ما تقدر عليه في حرب اليونان، ولم تقصر عن شأو الأوروبيين في المفاداة بالأنفس والنفائس.
والجواب: نعم.
قد كان ذلك، ومن الترك من بذل ثلث ثروته، ومنهم من بذل نصف ثروته في هذه الحرب، ولكنهم لما فعلوا ذلك انقلبوا بنعمة من الله وفازوا، وحرروا أنفسهم واستقلوا، وارتفعوا بعد أن كانوا هووا، وعزوا بعد أن كانوا ذلوا، إذا الأمم الإسلامية إذا ائتمرت في المعاداة بما أمرها به كتابها كما كان يفعل آباؤها، أو افتدت على الأقل بما هو دأب الأوروبيين اليوم من بذل النفوس والنفائس في سبيل حفظ بيضتها، وذود المعتدين عنها، لم تقطف من ثمرات التضحية إلا مثل ما قطفه غيرها، وانقلبت بنعمة من الله وفضل لم يمسها سوء.
Halaman tidak diketahui
ولكن الأمم الإسلامية تريد حفظ استقلالها بدون مفاداة ولا تضحية، ولا بيع أنفس ولا مسابقة إلى الموت، ولا مجاهدة بالمال، وتطالب الله بالنصر على غير الشرط الذي اشترطه في النصر
6
فإن الله - سبحانه - يقول:
ولينصرن الله من ينصره ،
7
ويقول:
إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم .
8
ومن المعلوم أن الله تعالى غير محتاج إلى نصرة أحد، وإنما يريد بنصرته تعالى إطاعة أوامره واجتناب نواهيه، ولكن المسلمين أهملوا جميع ما أمرهم به كتابهم (في ذلك) أو أكثره، واعتمدوا في استحقاق النصرة على كونهم مسلمين موحدين، وظنوا أن هذا يغنيهم عن الجهاد بالأنفس والأموال، ومنهم من اعتمد على الدعاء والابتهال لرب العزة؛ لأنه يجده أيسر عليه من القتل والبذل، ولو كان مجرد الدعاء يغني عن الجهاد لاستغنى به النبي
صلى الله عليه وسلم
Halaman tidak diketahui
وصحابته، وسلف هذه الأمة فإنهم الطبقة التي هي أولى بأن يسمع الله دعاءها، ولو كانت الآمال تبلغ بالأدعية والأذكار، دون الأعمال والآثار، لانتقضت سنن الكون، وبطل التشريع، ولم يقل الله تعالى:
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى .
9
ولم يقل:
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله .
10
ولم يقل للمعتذرين عن القتال:
لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله .
11
ولم يقل:
Halaman tidak diketahui
أني لا أضيع عمل عامل منكم .
12
لقد ظن كثير من المسلمين أنهم مسلمون بمجرد الصلاة والصيام وكل ما لا يكلفهم بذل دم ولا مال، وانتظروا على ذلك النصر من الله، وليس الأمر كذلك؛ فإن عزائم الإسلام لا تنحصر في الصلاة والصيام، ولا في الدعاء والاستغفار، وكيف يقبل الله الدعاء ممن قعدوا وتخلفوا، وقد كان في وسعهم أن ينهضوا ويبذلوا؟!
13
اعتذار المسلمين عن أنفسهم ورده
يقولون: ليس عند المسلمين ما عند الإفرنج من الثروة والسعة لينفقوا في أعمال الخير وفي مساعدة بعضهم بعضا. فنقول لمن يحتج بهذه الحجة: إننا نرضى منهم أن ينفقوا على نسبة رءوس أموالهم كما تقدم الكلام عند ذكر الجهاد بالمال، فهل المسلمون فاعلون؟!
إننا نراهم قد محوا رسوم الأوقاف والمؤسسات الخيرية التي تركها آباؤهم، فضلا عن كونهم لا يتبرعون بأموالهم الخاصة، ولا يجرون مع الأوروبيين في ميدان من جهة التبرع لأجل المشروعات العامة، فكيف يطمع المسلمون أن تكون لهم منزلة الأوروبيين في البسطة والقوة والسلطان، وهم مقصرون عنهم بمراحل في الإيثار والتضحية؟! فإن العمل لأجل السلطان في الأرض، أشبه بالحرث في الأرض، فبقدر ما تشتغل فيها هي تعطيك، وإن قصرت في العمل قصرت هي في الثمر، والمسلمون يريدون سلطانا يشبه سلطان الأوروبيين بدون إيثار ولا بذل، ولا فقد شيء من لذائذهم، وينسون أن الله تعالى يقول:
ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين .
14
وقد يقولون: إننا جربنا البذل والتضحية، وابتلينا بالنقص من الأموال والأنفس والثمرات وصبرنا ولم يفدنا ذلك شيئا، وبقي الأوروبيون مسلطين علينا، إني أنقل هذا القول عن بعضهم؛ لأني قد سمعته كثيرا.
Halaman tidak diketahui
والجواب: هل يقدرون أن يقولوا لنا أن ما يدعونه من البذل والتضحية يشبه شيئا مما يقوم به النصارى واليهود من هذا القبيل؟ أو إنه إذا نسب إليه تكون نسبته نسبة الواحد إلى المئة؟
عندنا مثال حديث العهد هو مسألة فلسطين: حدثت وقائع دموية بين العرب واليهود في فلسطين فأصيب بها أناس من الفريقين، فأخذ اليهود في جميع أقطار الدنيا يساعدون المصابين من يهود فلسطين، وأراد العالم الإسلامي أن يساعد عرب فلسطين كما هو طبيعي، فبلغت تبرعات اليهود لأبناء ملتهم من فلسطين مليون جنيه، وبلغت تبرعات المسلمين كلها 13 ألف جنيه أي نحو جزء من مئة.
15
فسيقولون: إن المسلمين لا يملكون مثل ثروة اليهود، ونعود فنجيبهم: نرضى منهم بأن ينفقوا في مساعدة ملتهم على قدر اليهود والإفرنج بالنسبة إلى رءوس أموالهم، ولا نطالب منهم الفقراء الذين لا يملكون ما يزيد على كفاية عائلاتهم.
قال الله تعالى:
ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل .
16
ثم قال تعالى:
إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف .
17
Halaman tidak diketahui
ونجيب أيضا: إنه وإن كان اليهود أغنى بالأموال من المسلمين، فالمسلمون أكثر جدا بالعدد؛ لأن اليهود عشرون مليونا، والمسلمين نحو من أربع مئة مليون،
18
فلو أن كلا من المسلمين تبرع لفلسطين بقرش واحد - وهو الذي لا يعجز عنه أحد في العالم مهما اشتد فقره - لاجتمع من ذلك ثلاثة ملايين جنيه ونصف.
فلنترك تسعة أعشار المسلمين ونفرض هذه الإعانة لفلسطين على عشر واحد منهم أي على 35 مليون نسمة لا غير، وهؤلاء الخمسة والثلاثون مليون نسمة نجدهم حول فلسطين في لمحة بصر، فإن مسلمي مصر وسورية وفلسطين والعراق ونجد والحجاز واليمن وعمان هم 35 مليونا، ولنتقاض من هؤلاء أداة قرش واحد عن كل جمجمة، فماذا يجتمع لنا من ذلك؟
الجواب: يجتمع ثلاثماية وخمسون ألف جنيه.
فالمسلمون قد تبرعوا عن هذه الأعداد كلها بثلاثة عشر ألف جنيه أي بما يساوي نحو ثلثي عشر القرش عن كل نسمة من عشر عددهم.
أهذا ما تريدون أن تسموه «تضحية»؟
أو بمثل هذه تجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم؟
أو هذه درجة نجدتكم لإخوانكم في الدين وجيرانكم في الوطن والقائمين عنكم بالدفاع عن المسجد الأقصى الذي هو ثالث الحرمين وأول القبلتين؟ أفلم يقل الله تعالى:
إنما المؤمنون إخوة .
Halaman tidak diketahui
19
أفهذه نجدة الأخ لأخيه؟!
يقولون: لماذا سادت الأمة الإنكليزية هذه السيادة كلها في العالم؟ نجيبهم: إنها سادت بالأخلاق والمبادئ الوطنية العالية، حدثني رجل ثقة أنه يعرف إنكليزيا ذا منصب في الشرق كان يأمر خادمه أن يشتري له الحوائج اللازمة لبيته يوميا من دكان رجل إنكليزي في البلدة التي هم فيها، فجاءه الخادم مرة بجدول حساب وفر عليه به 20 جنيها في شهر، فسأله الإنكليزي: كيف أمكنك هذا التوفير؟
فقال الخادم: تركنا دكان الإنكليزي الذي كنا نشتري منه، وصرنا نشتري من دكان أحد الأهالي من العرب.
فقال له الإنكليزي: ارجع إلى دكان الإنكليزي الذي كنا نشتري منه.
فقال الخادم: ولو كان ذلك يستلزم إنفاق 20 جنيها زيادة؟!
قال الإنكليزي: ولو كان ذلك يستلزم إنفاق 20 جنيها زيادة.
وسمعت أن كثيرين من الإنكليز الذين في الأقطار لا يشترون شيئا ذا قيمة إلا من بلادهم، ويرسلون إلى لندرة فيوصون على كل ما يحتاجون إليه؛ حتى لا يذهب مالهم إلى الخارج.
أفنقيس هذا بأعمال المسلمين الذين مهما أوصيتهم بالشراء من أبناء جلدتهم أو أوطانهم وعلموا أنهم يقدرون أن يوفروا في السلعة الواحدة نصف قرش إذا أخذوها من الإفرنجي تركوا ابن جلدتهم أو ملتهم ورجحوا الإفرنجي؟ أفلم يكن سبب حبوط مقاطعة العرب لليهود في فلسطين أشياء كهذه؟
20
Halaman tidak diketahui
حرموا أنفسهم أمضى سلاح في يدهم وهو المقاطعة في الأخذ والعطاء مع اليهود من أجل فروق تافهة مؤقتة، ونسوا أن الضرر الذي يصيبهم من الأخذ والعطاء مع اليهود هو أعظم ألف مرة من ضرر هاتيك الفروق الزهيدة.
نتائج إعانة مصر لمجاهدي طرابلس وبرقة
وكنت مرة أشكو إلى أحد كبار المصريين إهمال إخواننا المصريين لمجاهدي طرابلس وبرقة الذين إن لم تجب عليهم نجدتهم؛ قياما بواجب الأخوة الإسلامية والجوار، وجبت عليهم احتياطا من وراء استقلال مصر واستقبال مصر؛ لأنه كما أن وجود الإنكليز في السودان هو تهديد دائم لمصر، فوجود الطليان في برقة هو تهديد دائم لها أيضا.
فكان جواب ذلك السيد لي: لقد بذل المصريون مبالغ وفيرة يوم شنت إيطالية الغارة على طرابلس، ولم يستفيدوا شيئا، فإن إيطالية لم تلبث أن أخذتها.
فقلت له: إن المصريين قد نهضوا في الحرب الطرابلسية نهضة هي دون شك ترضي كل مسلم، بل ترضي كل إنسان يقدر قدر الحمية، ولكن المبلغ الذي تبرعوا به يومئذ معلوم وهو 150 ألف جنيه.
فهل يطمع المسلمون في أنحاء المعمور أن ينقذوا طرابلس من براثن إيطالية بمئة وخمسين ألف جنيه؟ وهل هذه التضحية تقاس في كثير أو قليل إلى التضحيات التي قامت بها إيطالية بالمال والرجال؟!
كانت إعانة مصر في الحرب الطرابلسية 150 ألف جنيه وأنفقت الدولة العثمانية على تلك الحرب نحو مليون جنيه.
فانظر إلى ما كان لذلك من النتائج: (النتيجة الأولى):
وهي أهم شيء: حفظ شرف الإسلام، وإفهام الأوروبيين أن الإسلام لم يمت، وأن المسلمين لا يسلمون بلدانهم بلا حرب، وفي ذلك من الفائدة المادية والمعنوية للإسلام ما لا ينكره إلا كل مكابر. (النتيجة الثانية):
أن هذا المبلغ الضئيل بالنسبة إلى نفقات الدول الحربية قد كان السبب في توطين الطرابلسيين أنفسهم على المقاومة والمجاهدة بما رأوا من نجدة إخوانهم لهم، فكانت هذه المقاومة سببا لتجشم إيطالية المعتدية من المشاق والخسائر ما هو فوق الوصف، إلى أن صار كثير من ساسة الطليان يصرحون بندمهم على هذه الغارة الطرابلسية. (النتيجة الثالثة):
Halaman tidak diketahui
مهما يكن من عدد القتلى الذين فقدهم العرب في هذه الحرب فإن مجموع قتلى الطليان إلى اليوم يفوق مجموع قتلى العرب أضعافا مضاعفة.
فلقد لقي الطليان في هذه الحرب من الأهوال ما لا يتسع لوصفه مقالة أو رسالة، وفي واقعة واحدة هي واقعة «الفويهات» على باب بنغازي، ثبت فيها 150 مجاهدا عربيا لثلاثة آلاف جندي طلياني من الفجر إلى غروب الشمس إلى أن انقرضوا جميعا، إلا أفذاذا أتى عليهم الليل، ورجع العدو ولما يموتوا، وبينما كان العرب في حزن عظيم على من فقدوهم في تلك المعركة؛ إذ جاءهم الخبر البرقي من الأستانة عن برقية وردت سرا من برلين عن برقية رقمية جاءت من سفارة الألمان في رومية بأنه سقط في هذه المعركة ألف وخمس مئة جندي من الطليان، وأصاب الجنون سبعة من ضباطهم.
وهذه وقعة من خمسين وقعة بالأقل تضاهيها، فالمسلمون قد قاتلوا في هذه المعركة جيشا يفوقهم في العدد عشرين ضعفا وقتلوا نصفه أي قتلوا عشرة أضاعفهم، والله تعالى قد قدرهم لهم في حال القوة أن يغلبوا عشرة أضعافهم، وفي حال الضعف أن يغلبوا ضعفيهم فقط كما قال في سورة الأنفال:
21
يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون * الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين . (النتيجة الرابعة):
أنه قد كانت نفقات إيطاليا في الحرب الطرابلسية في السنة الأولى منها أي من سنة 1911 إلى سنة 1912 نحو مئة مليون جنيه، ويظن أنها من عشرين سنة إلى اليوم - إذ المقاومة لم تنقطع حتى هذه الساعة - قد بلغت ثلاث مئة مليون جنيه.
22
فهذا كان كله نتيجة تلك الإعانات القليلة والنفقات الضئيلة التي قام بها المسلمون في تلك الحرب، ولكن المسلمين ينتظرون أن تنهزم إيطالية الدولة الكبيرة التي أهلها 44 مليون نسمة، ودخلها السنوي 200 مليون جنيه في صدمة واحدة، أو في السنة الأولى من الحرب
23
وإن لم يتحقق أملهم هذا انقطع منهم كل رجاء وبطلت كل حركة، وأصاب بعضهم اليأس الذي هو مرادف الكفر بصريح الذكر الحكيم:
Halaman tidak diketahui
إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .
24
ولنضرب مثلا ثالثا ونمسك بعده عن ضرب الأمثال؛ لأنها لا تعد ولا تحصى:
قام أهل الريف المغربي في وجه الدولة الإسبانية مدة بضع سنين إلى أن تغلبوا عليها وطردوا جيوشها بعد أن أبادوا منهم في واقعة واحدة 26 ألف جندي، وغنموا 170 مدفعا، مع أن جميع أهل الريف بقضهم وقضيضهم ثمان مئة ألف نسمة، وعدد أهالي إسبانية 22 مليون نسمة، وأراضي الريف أكثرها قاحل، والأهالي فيه فقراء يعيشون من كسب أيديهم، ولقد قاموا بعمل أدهش أهل الأرض بالطول والعرض.
فلو كان أهل الريف نصارى لانثالت عليهم الملايين من الجنيهات من كل الجهات؛ إما بطريقة خفية، وإما بواسطة جمعية الصليب الأحمر في سبيل مداواة جرحاهم.
فليقل لنا المسلمون كم جنيها قدموا للريف في ذلك الوقت؟!
ثم تألب الفرنسيس مع الإسبانيين وحشدوا لحرب الريفيين 300 ألف مقاتل وحصروا الريف من كل جانب من البر والبحر، وكانت طياراتهم القاذفة بالديناميت على قرى الريفيين تحصى بالمئات لا بالعشرات، ولم تكف طيارات الفرنسيس والإسبانيول حتى جاء سرب طيارات أميركية من نيويورك؛ نجدة لفرنسة وإسبانية (النصرانيتين على المسلمين؛ لأنهم مسلمون).
هذا كله والمسلمون ينظرون إلى حرب الريف مكتوفي الأيدي، ولبثوا مكتوفي الأيدي مدة سنة، وأخيرا نهض منهم أفراد لجمع شيء من أجل جرحى الريف، ولأجل بعث الحمية في الناس لم يكتف محرر هذه السطور بالكتابة، بل تبرع بأربعة جنيهات لأجل القدوة، فماذا كان مجموع تلك الإعانات من كل العالم الإسلامي؟ الجواب 1500 جنيه لا غير، فهل من خذلان بين المسلمين يفوق هذا الخذلان؟!
خيانة بعض المسلمين لدينهم ووطنهم واعتذارهم الباطل
ويا ليت المسلمين وقفوا عند هذا الحد في خذلان الريفيين، بل قامت منهم فئات يقاتلون الريفيين بأشد مما يقاتلون به الأجانب، وتألبت على محمد بن عبد الكريم قبائل وافرة العدد شديدة البأس؛ مالئوا الفرنسيس والإسبانيول على أبنائهم ملتهم ووطنهم؛ تزلفا إلى الفرنسيس والإسبانيول، وابتغاء الحظوة لديهم، وقد جرى مثل ذلك عندنا في سورية يوم الثورة على فرنسة، وجرى في بلاد إسلامية كثيرة،
Halaman tidak diketahui
25
أفبمثل هذه الأعمال يطالب أخونا الشيخ بسيوني عمران ربه بما وعد تعالى به من جعل العزة للمؤمنين؟!
وإذا سألت هؤلاء المسلمين الممالئين للعدو على إخوانهم: كيف تفعلون مثل هذا وأنتم تعلمون أنه مخالف للدين وللشرف وللفتوة وللمروءة وللمصلحة وللسياسة؟ أجابوك: كيف نصنع فإن الأجانب انتدبونا، ولو لم نفعل لبطشوا بنا، فاضطررنا إلى القتال في صفوفهم؛ خوفا منهم، ونسوا قوله تعالى:
أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين .
26
وقوله تعالى:
فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين .
27
وكلام مثل هؤلاء في الاعتذار غير صحيح؛ فإن الأجانب قد ندبوا كثيرا من المسلمين إلى خيانات كهذه فلم يجيبوهم ولم تنقض عليهم السماء من فوقهم، ولا خسفت بهم الأرض من تحتهم، ثم إنه إن كان الأجانب المحتلون لبلاد المسلمين قد أصبحوا يغضبون على المسلمين الذين لا يلبون دعوتهم إلى خيانة قومهم، فإنما كان ذلك من أجل كثيرين من المسلمين كانوا يعرضون عليهم خدمتهم في مقاومة إخوانهم، ويقومون بها بكل نشاط ومناصحة، ويبدون كل أمانة لهم في أثناء تلك الخيانة، ولولا هذا التبرع بالخيانة، والتسرع إلى مظاهرة الأجنبي على ابن الملة، لما استأسد الأجنبي وصار يتحكم في المسلمين هذا التحكم الفاحش، ويتقاضاهم أن يخالفوا قواعد دينهم ومقتضى مصلحة دنياهم من أجل مصلحته، بل قام يحملهم على الموت لأجل الموت.
فإن الموت موتان: أحدهما: الموت لأجل الحياة؛ وهو الموت الذي حث عليه القرآن الكريم المؤمنين إذا مد العدو يده إليهم، وهو الموت الذي قال عنه الشاعر العربي:
Halaman tidak diketahui