جرير
لعلكم تعنون بالصبر أن أشتاق، فأمتنع عن الاشتياق، وأن أتألم، فأمتنع عن الألم، وبعبارة أخرى، أن لا أشتاق، ولا أتألم. إذا كان هذا الصبر الذي تعنون فليس إليه من سبيل.
أتريدون مني أن أنسى أم سري؟!
والله لو كان عندي طير فمات لبكيته، فكيف لا أبكي سيدتي؟
والله إني لأخجل من نفسي أن أكتفي في مصيبتي هذه بالبكاء، كان يجب أن ألطم وجهي ، وأضرب رأسي بجدران غرفتي، وأعقد المناحة إثر المناحة، بل كان يجب أن أنسحب من الدنيا، وأهيم على وجهي إلى أن ألقى حتفي.
ألا! لست في حاجة أن يوصيني أحد بالصبر، وإنما أنا في حاجة إلى من يشاركني في البكاء، فإذا لم تشاركوني في البكاء، وأم سري أحق من مات بالبكاء، وإذا قبح بكاء ميت رأيت بكاءها الحسن الجميل، كما قالت الخنساء في بكاء أخيها صخر، إذا لم تشاركوني في البكاء، فدعوني وشأني.
أجل سلطانة، وأجل نفسي أن أستكثر عليها هذا الألم، وهذا البكاء، وفي أول فرصة أكف عن الشعور بالألم، وأكف عن البكاء، أعد نفسي خائنا دنيئا، فأقول مع الشاعر:
وحق هواك خنتك في هواك.
أي صبر أعظم من الصبر على الألم والبكاء؟!
إذا أردتم أن تتعلموا الصبر فمني.
Halaman tidak diketahui