299

Lessons of Sheikh Mohammed Al-Duwish

دروس الشيخ محمد الدويش

Genre-genre

العواقب أمرها إلى الله
من العبر المهمة أيضًا: أنهم قالوا: ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف:٢٠]، وكانوا يشعرون هم أن فطنة قومهم إليهم وظهورهم عليهم أمر لا يخدمهم وليس في مصلحتهم، لكن ما الذي حصل؟ ظهر قومهم عليهم واطلعوا عليهم: ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ [الكهف:٢١] فأعثر الله ﷿ عليهم، وقد كانوا يتصورون أنه حين يعثر عليهم قومهم أن هذا لا يخدمهم، وأنهم إما أن يرجموهم أو يعيدوهم في ملتهم، وهذه فيها درس وعبرة عظيمة، وهي أن العواقب لا يعلمها إلا الله، فالمسلم مأمور أن يأخذ الأسباب ويتعامل مع الأشياء الظاهرة الواضحة أمامه، ثم يكل الأمر إلى الله، فالأمر الذي تحذر منه قد يكون فيه الخير، وإليكم مثالين من السيرة: في حادثة الهجرة لما جاء سراقة ولحق بالنبي ﷺ لما سمع رجلًا يقول: رأيت هاهنا أسودة فلعله محمد ومن معه؟ قال سراقة: إنهم بنو فلان خرجوا يتعقبون بعيرًا لهم، واستقسم بالأزلام، فخرج أن لا يضرهم، واستقسم أخرى فخرج أن لا يضرهم، فهو يستقسم بالأزلام، لكن مع ذلك يخالفها فعنده ازدواجية إلى الآن، فلما رآه أبو بكر ﵁ قال: يا رسول الله هذا سراقة، النبي ﷺ كان ثابتًا مطمئن البال، فلما لحق بهم سراقة وصار من شأنه ما صار، قال الراوي في آخر القصة: فكان أول النهار جاهدًا عليهما، وآخر النهار حارسًا لهما.
إذًا: ربما ونحن نعيش القصة، يعني: الإنسان يقرأ القصة لأول مرة وتفاعل معها في عواطف، يتمنى أن سراقة يموت ما يلحق بهم، لكن الأمر وراءه أمر آخر، كان من مصلحتهم أن يلحق بهم سراقة، سراقة الذي كان يطلبهم ويبحث عنهم لما لحق بهم صار آخر النهار حارسًا لهما، يا أخي القضاء والقدر أمر عند الله ما هو عندك ولا عند فلان ولا غيره ولا بيد هؤلاء وغيرهم.
نموذج آخر: في صلح الحديبية كان من الشروط: أن من جاء إلى النبي ﷺ من المستضعفين فعليه أن يرده، وهذا كان صعبًا على المسلمين وزاد الصعوبة أنه موقف قدره الله، موقف يثير عواطف الناس، يأتي أبو جندل يرسف في قيوده فيلقي بنفسه بين يدي النبي ﷺ، فيقول سهيل: هذا أول ما أقاضيك عليه، فأعاده إليهم، فصاح بالمسلمين: يا معشر المسلمين! تردونني للمشركين ليفتنوني في ديني، ولهذا ما أطاق عمر ﵁ الصبر على هذا، والمسلمون أصبحت عواطفهم مع هؤلاء المستضعفين، فيعاد أبو جندل ﵁ إلى قومه، ثم يأتي أبو بصير ويفر من المشركين ويأتي إلى النبي ﷺ فيأتون ليطلبوه من النبي ﷺ بناء على الشروط فيرسله، ثم يقول النبي ﷺ رسالة يفهمها أبو بصير: (ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال)، ومضى أبو بصير وقتل صاحبه، ثم هرب إلى العيص، فلحق به أبو جندل ولحقه سائر المستضعفين.
فلهذا الشرط هو الذي جعل أبا بصير يفر إلى ذاك المكان، ويعلن الحرب؛ لأنه غير داخل تحت سلطان النبي ﷺ، والنبي ﷺ قد أنهى ما عليه، وليس على النبي ﷺ أنه يطارد أبا بصير ويقبض عليه ويعطيه للمشركين.
فجاء أبو جندل وسائر المستضعفين وانضموا إلى أبي بصير، فصار هذا الشرط من مصلحة المستضعفين أنفسهم، بعد أن كان الصحابة والمشركون يظنون أنه ليس من مصلحة المستضعفين، حتى تأتي قريش وترجو من النبي ﷺ أن يتنازل عن هذا الشرط، ولذا فالعواقب لا يعلمها إلا الله.
مثال ثالث: في قصة عائشة ﵂ حينما قذفت ﵂ بالفرية العظيمة، ففي بادئ الأمر ما كان يمكن أن تظن عائشة أن هذا خير لها، هل كان أحد يظن أن عائشة كان خيرًا لها أن تقذف بالزنا؟ فبقيت عائشة ﵂ شهرًا كاملًا، وبقي النبي ﷺ كذلك حتى تجرأ النبي ﷺ فقال: (يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله).
ثم ينزل الوحي ببراءتها فتقول: كان شأني في نفسي أحقر من أن ينزل الله في قرآن يتلى، وكنت أرجو أن يري الله نبيه رؤيا تنزل فيها براءتي، فتلك الفرية التي جاءت لـ عائشة كانت سببًا في أن ينزل فيها آيات من ك

10 / 16