Lessons of Sheikh Mohammed Al-Duwish
دروس الشيخ محمد الدويش
Genre-genre
ورود قصص القرآن بذكر هذه السنن دليل على أن هناك سننًا تحكم الكون
إن أول أمر يدل على ذلك: إيراد القصص في القرآن، فإيراد قصص السابقين دليل على أن هناك سننًا تحكم حياة الناس وتحكم سيرهم في حياتهم، سواء أكانوا أفرادًا أو مجتمعات، إن القرآن الكريم مليء بقصص السابقين والأولين، والله ﵎ يقول: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾ [يوسف:٣]، ويقول: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى﴾ [يوسف:١١١].
ولعلنا نتساءل: لماذا تورد هذه القصص؟ ولماذا يكثر الحديث في القرآن حول قصص السابقين والغابرين أليس للاعتبار والاتعاظ؟ بلى، وإذا لم تكن هناك سنن ولم تكن هناك قواعد تحكم حياة المجتمعات فكيف يتعظ الناس؟ وكيف يتعظ الناس بقصة حصلت في سالف الأزمان وماضي الدهور إلا إذا كان ذلك يسير وفق سنن، فيقيسون حياتهم على حياة أولئك، ويعلمون أنهم إن سلكوا طريقهم فسيصيبهم ما أصابهم، وأنهم إن بذلوا جهدهم فسيحصلون ما حصل أولئك.
إن إيراد القصص للاعتبار والاتعاظ دليل كما قلنا على أن هناك سننًا ثابتة لا تتغير تحكم حياة الناس في هذه الدار.
ما قيمة أن يعلم الإنسان أن قومًا من الأقوام كذبوا فأهلكوا؟ أو أن قومًا من الأقوام آمنوا فأنجوا؟ ما قيمة أن يعلم ذلك إلا إذا كانت قاعدة مطردة فيقيس حاله على حالهم، ويكفي إيراد هذه القصص الكثيرة في كتاب الله ﵎ على بيان سنن الله ﷿ في الآفاق والأنفس، وأيضًا يأتي التعليق على هذه القصص بالأمر بالاتعاظ والاعتبار، فبعد سياق كثير من هذه القصص يأتي الأمر بالاتعاظ والاعتبار بما أصاب أولئك، يقول ﵎ عن أولئك الذين أتوا جريمة من الجرائم وفاحشة من الفواحش، فكانوا يأتون الذكران من العالمين ويذرون ما خلق لهم ربهم من أزواجهم، يقول ﵎ واصفًا تلك العقوبة التي حلت بهم، والتي تليق بتلك الجريمة البشعة: ﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود:٨٣].
إذًا فلئن سلك قوم سبيل قوم لوط فهم معرضون لأن يصيبهم ما أصاب قوم لوط، ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود:٨٣]، ويقول ﵎ في شأن طائفة من أهل الكتاب حين تكبروا وأعرضوا عن الإيمان بالله، وخانوا عهدهم مع رسول الله ﷺ، ولهم في ذلك القدح المعلى في نقض عهودهم مع الله ومع أنبيائهم قبل، يقول ﵎: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ﴾ [الحشر:٢].
إذًا فلو فعلتم ما فعل أولئك فيصيبكم ما أصابهم، فهذه سنة من سنن الله ﵎: أن من فعل كما فعل أولئك فسيصيبه ما أصابهم، لذا فعليه أن يعتبر ويتعظ، وفي سورة الشعراء يقول ﵎ تعقيبًا على كل موقف من مواقف الأنبياء مع أقوامهم، وتكذيبهم ثم حلول العذاب بهم: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء:٨ - ٩]، ويقول ﵎ أيضًا في آية تتكرر في أكثر من موضع تعقيبًا على هذه المواطن في سورة القمر: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر:١٧]، ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ [القمر:١٥ - ١٦] إلى غيرها من الآيات التي يعقب الله ﵎ فيها على شأن أولئك، ويأمر عباده بأن يتعظوا بمواقفهم، والتعقيب والأمر بالاتعاظ والاعتبار ليس خاصًا بمواقف العذاب والجزاء بالعقوبة وحدها، بل نراه أيضًا في مواقف الخير والإنعام من الله ﵎ على عباده، كما قال ﵎: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء:٨٧ - ٨٨].
فمن كان كمثل ذي النون ﵇ في صدق لجوئه وتسبيحه لله ﵎، فكما نجاه الله ﷿ فكذلك ينجي ﵎ عباده المؤمنين، وأيضًا يقول ﵎: ﴿فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِ
9 / 4