Lessons of Sheikh Ahmad Fareed
دروس الشيخ أحمد فريد
Genre-genre
اختلاف أقوال المفسرين في قوله تعالى (وابتغ فيما آتاك الله)
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص:٧٧] أي: اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة، فإنه من الواجب على المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة لا في التجبر والبغي.
ولذلك يقول بعض السلف: نعمت الدار الدنيا كانت للمؤمن وذلك لأنه عمل فيها قليلًا وأخذ منها زاده إلى الجنة، وبئست الدار الدنيا كانت للكافر والمنافق؛ وذلك لأنه أضاع فيها لياليه وأخذ منها زاده إلى النار.
وقوله تعالى: ﴿وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص:٧٧] اختلف تفسيرها، فقال ابن عباس والجمهور: لا تضيع عمرك في ألا تعمل عملًا صالحًا في دنياك، إذ الآخرة إنما يعمل لها، فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح.
فالكلام على هذا التأويل فيه شدة في الموعظة.
وقال الحسن وقتادة: معناه: لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه، ونظرك في عاقبة دنياك.
فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به، وإصلاح الأمر الذي يشتهيه.
وهذا مما يجب استعماله مع الموعوظ خشية النبوة من الشدة، قاله ابن عطية.
فهو إن كان من أهل الدنيا والرغبة فيها يبين له الناصح أنه لا يطلب منه أن يترك كل ما في الدنيا، وألا يتمتع بشيء من طيباتها.
قلت: وهذان التأويلان قد جمعهما ابن عمر في قوله: أحرز لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا، وهذا القول يرويه بعض الناس مرفوعًا، أي: منسوبًا إلى النبي ﷺ، وفي الواقع: هو من كلام ابن عمر ﵄، وأحيانًا يضع أناس في الأسانيد، أو يظنون أن شيئًا من كلام السلف وحكمهم هي أحاديث مرفوعة، فينسبونها ظلمًا وزورًا إلى النبي ﷺ، مثال ذلك: ما سبقكم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقر في قلبه، هذا من كلام بكر بن عبد الله المزني، والناس ينسبونه إلى النبي ﷺ.
وعن الحسن قال: قدم الفضل، وأمسك ما يبلغ، يسألونك ماذا ينفقون، فالإنسان ينفق الفضل من ماله، وينفق ما يبلغه قدر الكفاية.
وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف.
وقيل: أراد بنصيبه الكفن، وهذا فيه موعظة، كأن المعنى: لا تنس أنك ستترك جميع مالك إلا نصيبك من هذه الدنيا وهو الكفن، ونحو هذا قال الشاعر: نصيبك مما تجمع الدهر كله رداءان تلوى فيهما وحنوط فالحنوط: الطيب الذي يوضع للميت، وكأنه يقال للإنسان: لن تأخذ من الدنيا إلا الكفن والحنوط.
وقال آخر: هي القناعة لا تبغي بها بدلًا فيها النعيم وفيها راحة البدن انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن والأفضل أن يقول: بغير الزاد والكفن.
قال ابن العربي: وأبدع ما فيه عندي: قول قتادة: ولا تنس نصيبك الحلال، فهو نصيبك من الدنيا.
25 / 7