138

Lessons of Sheikh Ahmad Fareed

دروس الشيخ أحمد فريد

Genre-genre

الحث على المسارعة في أعمال الآخرة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا. قوله ﷿: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ [القصص:٧٨] أي: بمهارتي وذكائي وبجدي واجتهادي، ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [القصص:٧٨ - ٧٩]. خرج في تجمله وفي زينته وفي موكبه فأعجب هذا المنظر أهل الدنيا الذين لا يعرفون الله ﷿ والذين لا يعرفون الدار الآخرة، الذين يغترون بظاهر الدنيا وزينتها ولا يدرون كيف وصل أهل المال إلى هذا المال، فقد يصلون إليه بالبغي والعدوان، وقد يكون هذا المال من أموال الناس بالظلم أو السرقة، فهم لا يعرفون كيف وصل إلى هذا الحد، وإن كان المال حلالًا فكيف يغتر المؤمن بالدنيا والدنيا في الآخرة كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما يرجع. كم يعيش العبد في الدنيا يقول ﷿: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ [الروم:٥٥]. وقال ﷿: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [المؤمنون:١١٢ - ١١٤]، وقالوا: هي عشية أو ضحاها فالدنيا ساعة، بل لا تساوي ساعة من ساعات يوم القيامة، فكيف بالآخرة خلود في النعيم المقيم أو العذاب الأليم. فالمؤمنون لا يغترون بزينة الدنيا ولا يغترون بزخرفها، وإنما يغتر بذلك من بخس حظه من العلم النافع والعمل الصالح ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [القصص:٧٩]، فالعبد لا يحسد أهل الدنيا على دنياهم؛ لأن الدنيا تزول عن قليل، فمن أراد أن يحسد فعليه أن يحسد أهل العلم النافع، وعليه أن يحسد أهل العمل الصالح كما قال النبي ﷺ: (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)، وقال بعضهم: إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الدين، وقال بعضهم: إذا استطعت ألا يسبقك أحد إلى الله ﷿ فافعل. قال ﷿: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين:٢٦]، فإذا ذكر الله ﷿ الآخرة شرع لنا التنافس والتسابق. قال ﷿: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ [الحديد:٢١]، وإذا ذكر الله ﷿ الدنيا والسعي على المعاش، قال: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك:١٥]. فالناس يتسابقون ويتسارعون إلى الدنيا ولكنهم لا يتسابقون ويتسارعون إلى الآخرة، ولكن أهل العلم النافع الذين يعلمون خبث الدنيا وزوالها، وأنها كقطعة الثلج رخيصة الثمن سريعة الذوبان، والآخرة جوهرة غالية الثمن، فهؤلاء يتسابقون على الآخرة ويتسارعون إلى درجات الآخرة، ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ [القصص:٧٩ - ٨٠] أي: لا يلقى الآخرة ولا يلقى ثواب الله ﷿ إلا الصابرون، وقالوا: لا يعلم هذا العلم ولا يفهم هذا الفهم ولا يلقى ذلك إلا الصابرون الذين صبروا على طاعة الله ﷿ وصبروا عن معصية الله ﷿، وصبروا على الأقدار التي تخالف هوى نفوسهم فهم لا يغترون بالدون ولا يبيعون الأعلى بالأدنى بيع الخاسر المغبون، لا ينافسون على زينة الدنيا وزخرفها، ولكنهم ينافسون على النعيم المقيم ومجاورة رب العالمين فلا يغترون بالمال ولا بالجاه ولا بالسلطان.

16 / 7