Lessons of Sheikh Ahmad Fareed
دروس الشيخ أحمد فريد
Genre-genre
بعد الصحابة عن اتباع الهوى وصلاح قلوبهم
إن العبد إذا أصيب قلبه باتباع الهوى فإنه يضل عن مصالحه في الدنيا والآخرة، فالصحابة كانوا يعلمون أن المدار على القلوب، وأن النجاة ببر القلوب، وأن العبد يسبق بقلبه وبأحواله الإيمانية أكثر مما يسبق به أصحاب الاجتهاد في الأعمال الظاهرة، كما قال ابن مسعود للتابعين: لأنتم أكثر عملًا من أصحاب رسول الله ﵌، ولكنهم كانوا خيرًا منكم؛ كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة، فيخبر ابن مسعود ﵁ التابعين أنهم أكثر اجتهادًا في العبادة؛ فهم أكثر صلاة وصيامًا وقيامًا، ولكن الصحابة سبقوا ببر القلوب، فقد تهيأت لهم أحوال، وصاحبوا النبي ﵌، وعاصروا التنزيل، فارتفعت أحوالهم الإيمانية، فلا يمكن أن يسبقهم من بعدهم، وإن اجتهد أكثر من اجتهادهم في الصلاة والقيام وتلاوة القرآن؛ لأن السبق سبق القلوب.
من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويدًا وتجي في الأول فآيات الصدق والبذل والتضحية في جيل الصحابة ﵃ كانت مجيدة؛ لأن قلوبهم وصلت إلى درجة عالية جدًا من الأحوال الإيمانية من محبة الله، والإخلاص لدين الله ﷿ والرضا بالله ﷿ ربًا وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﵌ نبيًا ورسولًا، فلما انتفعت قلوبهم، وحسنت أحوالهم الإيمانية، وجدت مواقف إيمانية في البذل والتضحية لله ﷿، ووجدت الأعمال التي تصدق ما في القلوب من إيمان.
فلم يمكن للتابعين أو من بعدهم أن يلحقوا بهم أو يجدوا أثرًا من غبارهم في ذلك، فقد سبقوا سبقًا بعيدًا ﵃، وذلك لأنهم عاصروا رسول الله ﷺ سيد العابدين، قال بعض الصحابة: إن الله ﷿ نظر في قلوب الخلق فرأى قلب محمد ﵌ هو أنقى قلوب الخلق فاصطفاه الله ﷿ برسالته، ثم نظر في قلوب الخلق فرأى قلوب الصحابة ﵃ أنقى قلوب الخلق بعد قلب النبي ﷺ فجعلهم وزراء نبيه، فارتضاهم الله ﷿ لصحبة رسول الله ﵌، ثم إنهم ازدادوا صفاء، وإيمانًا، ومحبة لله ﷿ وبذلًا لإعلاء دين الله ﷿؛ لأنهم عاصروا رسول الله ﷺ.
يقول أنس ﵁ معبرًا عن حال الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ: ما نفضنا أيدينا من دفن رسول الله ﷺ حتى أنكرنا قلوبنا، أي: بمجرد أن دفنوا الجسد الشريف تغيرت قلوبهم؛ لأنهم فقدوا مصدرًا عظيمًا من مصادر الصفاء النفسي، والعلو الإيماني الذي كانوا يجدونه بمعاشرة رسول الله ﵌.
أما حساسيتهم من الذنوب: يقول أنس ﵁: إنكم لتعملون أعمالًا هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله ﷺ من الموبقات، وأنس ﵁ لا يخاطب أمثالنا، ولكنه يخاطب الجيل المفضل الثاني بعد جيل الصحابة ﵃، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج:٣٢]، وقال أيضًا: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [الحج:٣٠].
فالمدار على القلوب، فقد خلقت لمعرفة علام الغيوب، وغفار الذنوب ﷿، فلا تسعد إلا بذلك؛ لا تسعد بالجاه ولا بشهوات ولا بدنيا ولا بأعراضها ولا شهرتها ولا زينتها، قال ﷿: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد:٢٨]، فلا تسعد إلا بالله، ولا تصلح إلا بالله ﷿، يقول النبي ﷺ: (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش)، فالعبد الذي في قلبه غير الله لابد أن يشقى بذلك، فإن القلب مثل السماوات والأرض: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء:٢٢]، فكذلك قلوب العباد لو كان فيها آلهة إلا الله ﷿ لفسدت بذلك فسادًا لا يرجى له صلاح، حتى تعرف ربها ﷿ وتوحده ﷿.
2 / 6