212

Lessons by Sheikh Yasser Burhami

دروس للشيخ ياسر برهامي

Genre-genre

هدايا العمال في الأعمال العامة وعقوبة الغال في عمله للمسلمين
روى الإمام أحمد عن أبي حميد الساعدي قال: (استعمل رسول الله ﷺ رجلًا من الأزد يقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام رسول الله ﷺ على المنبر فقال: ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي! أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟!) يعني: ما أهدي له لعلاقة كانت قائمة قبل ذلك، وإنما أهدي إليه لأجل الولاية، ولأجل أن يقوم بالحق أو أن يقوم بالباطل، أهدي إليه لكي لا يظلم الناس كما يقع من كثير من العمال، وهذا من الغلول ومن الرشوة المحرمة، أو يهدى إليه لكي يقوم بالباطل فلا يأخذ الحق من أهله، أو لكي يجعله على غيرهم، أو لكي يظلم بعض الناس ويقدم بعض الناس الذين لا يستحقون التقديم على غيرهم، وكل ذلك -سواء سمي هدية أو سمي رشوة أو سمي غير ذلك- من الغلول.
يقول ﷺ: (ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي! أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟! والذي نفس محمد بيده لا يأتي أحد منكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته إن كان بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر.
ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه -أي: بياض إبطيه- -ثم قال: اللهم هل بلغت ثلاثًا) أي قال: اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، والحديث رواه البخاري ومسلم.
قال أبو حميد: بصرته بعيني وسمعته بأذني واسأل زيد بن ثابت.
وروى الإمام أحمد عن أبي حميد أن رسول الله ﷺ قال: (هدايا العمال غلول) وهذا الحديث من أفراد أحمد، وهو ضعيف الإسناد، وكأنه مختصر من الذي قبله، وهذا يدل على أن هذا داخل في الغلول، فمن كان في وظيفة عامة فلا يجوز أن يعطيه أحد شيئًا من الهدايا، ونسأل الله العافية.
وهناك حديث آخر رواه أبو عيسى الترمذي في كتاب الأحكام عن معاذ بن جبل ﵁ قال: (بعثني رسول الله ﷺ إلى اليمن، فلما سرت أرسل في إثري فرددت، فقال: أتدري لم بعثت إليك؟ لا تصيبن شيئًا بغير أذني؛ فإنه غلول، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، لهذا دعوتك فامض لعملك).
قال الترمذي: حسن غريب.
وضعفه الشيخ الألباني، لكن له شواهده في المعنى.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: (قام فينا رسول الله ﷺ يومًا فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره، ثم قال: لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول: يا رسول الله! أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول: يا رسول الله! أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله! أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت -والصامت هو الذهب والفضة- فيقول: يا رسول الله! أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا قد أبلغتك) والحديث متفق على صحته.
وروى الإمام أحمد عن عدي بن عميرة الكندي قال: قال رسول الله ﷺ: (يا أيها الناس! من عمل لنا منكم عملًا فكتمنا منه مخيطًا فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة) وسمي الغلول غلولًا لأنه يكون في رقبته يوم القيامة، والغل يكون في الرقبة والعياذ بالله، وقوله: (كتمنا منه مخيطًا) المخيط هو الإبرة.
قال: (فقام رجل من الأنصار أسود -قال مجاهد: هو سعيد بن عبادة - كأني أنظر إليه فقال يا رسول الله! اقبل عني عملك -يعني: أقلني فلا تعيني في وظيفة عامة ولا تعيني في عمل أجمع فيه أموالًا أو أكون أمينًا فيه على أموال-؟ قال: وما ذاك؟ قال: سمعتك تقول كذا وكذا.
قال: وأنا أقول ذاك الآن، من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذه وما نهي عنه انتهى) كذا رواه مسلم.
وروى الإمام أحمد عن أبي رافع قال: (كان رسول الله ﷺ إذا صلى العصر ربما ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث معهم حتى ينحدر المغرب، قال أبو رافع: فبينا رسول الله ﷺ مسرعًا إلى المغرب إذ مر بالبقيع فقال: أف لك! أف لك! مرتين فكبر في ذرعي وتأخرت وظننت أنه يريدني، فقال: مالك؟ امش.
قال: قلت: أحدثت حدثًا يا رسول الله.
قال: وما ذاك؟ قال: أففت بي؟ قال: لا، ولكن هذا قبر فلان بعثته ساعيًا على آل فلان فغل نمرة فدرع الآن مثلها من نار) ونسأل الله العافية، ونعوذ بالله، والحديث ضعفه الشيخ الألباني، لكن له شواهد أخرى.
وقوله: (فدرع) يعني: ألبس درعًا، وهذا دليل على أن من أسباب عذاب القبر، خيانة الأمانة في الأموال العامة.
وروى عبد الله بن الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت قال: (كان رسول الله ﷺ يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم ثم يقول: مالي فيه إلا مثل ما لأحدكم، إياكم والغلول؛ فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة، أدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك، وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد في الحضر والسفر، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، إنه لينجي الله به من الهم والغم، وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم) وهو صحيح بمجموع طرقه، وقد روى ابن ماجه بعضه.
قوله: (مالي فيه إلا مثل ما لأحدكم) أي: نصيبي مثل نصيب الواحد منكم.
فالنبي ﷺ كان يستوي في قسم الغنائم مع عامة الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وإنما كان يأخذ الخمس الذي جعله الله ﷿ له ليجعله في مصالح المسلمين، ويأخذ منه نفقته وكفايته وكان لا يكفيه ﵊، مع أنه كان يدخر قوت سنته، لكن سرعان ما ينفقها ويبقى أهله الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد لهم في أبيات رسول الله ﷺ نار، وليس لهم طعام إلا الأسودان: التمر والماء.
قوله: (أدوا الخيط والمخيط) أي: أدوا الخيط والإبرة (وجاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد) -أي: إذا كانوا ممن شرع الله جهادهم.
فيجاهد الأقارب والأباعد بكل أنواع الجهاد.
وهناك حديث آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: (ردوا الخيط والمخيط؛ فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة).
وهناك حديث آخر عن أبي مسعود الأنصاري قال: (بعثني رسول الله ﷺ ساعيًا -والساعي جامع الصدقة- ثم قال: انطلق أبا مسعود، لا ألفينك يوم القيامة تجيء وعلى ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته.
قال: إذًا لا أنطلق.
قال: إذًا لا أكرهك) تفرد به أبو داود، وهو حديث صحيح.
أي: أنه خشي على نفسه من أن يأخذ ما ليس له فترك أن يعمل جامعًا للصدقة وطلب من النبي ﷺ أن يقيله فقبل النبي ﷺ منه ذلك وقال: (لا أكرهك).
وهناك حديث آخر رواه أبو بكر بن مردويه عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي ﷺ قال: (إن الحجر ليرمى به في جهنم فيهوي سبعين خريفًا ما يبلغ قعرها، ويؤتى بالغلول فيقذف معه ثم يقال لمن غل: ائت به)، وذلك قوله: «وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، والحديث ضعيف.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: (لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب رسول الله ﷺ فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد، حتى أتوا على رجل فقالوا: فلان شهيد.
فقال رسول الله ﷺ: كلا؛ إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة، ثم قال رسول الله ﷺ: يا ابن الخطاب! اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون.
قال: فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون) رواه مسلم والترمذي وقال: حسن صحيح.
وهذا دليل على إثبات عذاب القبر، وعلى عدم قول: فلان شهيد؛ لأنه ربما يكون على غير ذلك، وأما إذا قصد أنه شهيد في أحكام الدنيا فذاك؛ لأن النبي ﷺ لم يمنعهم من أن يتكلموا في حق من لم يعرف عنه فساد، وإنما سكت، ولما قالوا: فلان شهيد قال: (كلا) وهذا دليل على أنه قد يقتل الإنسان في سبيل الله ويعامل في الدنيا معاملة الشهداء ولكنه لا يكون عند الله شهيدًا لوجود مانع من ذلك، وهو أن يكون قد غل من الغنيمة.
وهناك حديث آخر عن عمر، فقد روى ابن جرير عن عبد الله بن أنيس (أنه تذاكر هو وعمر بن الخطاب يومًا الصدقة فقال: ألم تسمع قول رسول الله ﷺ حين ذكر غلول الصدقة: من غل منها بعيرًا أو شاة فإنه يحملها يوم القيامة؟! قال عبد الله بن أنيس: بلى).

18 / 12