Lessons by Sheikh Al-Albani
دروس للشيخ الألباني
Genre-genre
حكم إطلاق لفظة (السيد) على رسول الله ﷺ
السؤال
يسأل السائل عن حديث يبدو منه أنه يخالف تقريرنا السابق في جواز إطلاق لفظة: (سيد) كما أطلقها الرسول ﵊ على سعد بن معاذ، وهناك حديث آخر يبدو أنه ينافي هذا؟
الجواب
هو ليس كذلك عند إمعان النظر فيه، وذلك الحديث يقول: إن جماعة أتوا الرسول ﵊، فقالوا له: أنت سيدنا وابن سيدنا، فأجابهم بقوله ﵊: (السيد الله) فواضح أنه لم يرض منهم هذا الإطلاق للفظة السيادة على من هو سيد البشر جميعًا ﵊، مع ذلك فالظاهر من الحديث أنه لم يرتض منهم قولهم له: أنت سيدنا، بينما في حديث آخر فيما يشبه هذه القصة، قالوا له: أنت سيدنا وابن سيدنا، قال لهم: (قولوا بقولكم، أو ببعض قولكم هذا، ولا يستجرينكم الشيطان)، الحديث الذي قبل هذا يُفَسَّر على ضوء هذا، لما قال لهم: (السيد الله) كأنه ﵊ أحس أن هؤلاء يقدسونه بهذه اللفظة تقديسًا، ويرفعونه فوق المنزلة التي وضعه الله فيها، وهذا غير جائز شرعًا، كما جاء في الحديث صراحةً: (لا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله فيها)، فكأنه ﵊ سمع من الطائفة الأولى هذه اللفظة مكسية بشيء من القداسة، التي يُخشى منها أن توصلهم إلى الشرك، أو على الأقل إلى شيء من الشرك، ولذلك سد عليهم الباب، وقال لهم مبينًا أن السيادة الحقيقة إنما هي لله ﵎، فقال لهم: (السيد الله) لكن هذا لا يعني: أنه لا يجوز للمسلم أن يقول للرسول ﵊: إنه سيدنا، كيف وهو الذي أخبرنا في غير ما حديث أنه سيد الناس يوم القيامة! وآدم فمن دونه تحت لوائه ﵊ يوم القيامة، لكن يريد منا أننا إذا أطلقنا هذه اللفظة عليه وهو أهل لها، ألا نطعمها ولا نمزجها بشيء من الغلو فيه، مما حذرنا منه الرسول ﵊ في أحاديث كثيرة، من ذلك الحديث المتفق عليه عند الشيخين: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)، فهذا ما يخشاه ﵊ حين يسمع من بعض الناس مثل تلك اللفظة، والناس ليسوا كلهم سواء في هذا المحذور، فإذا أحس الرسول ﵊ من بعضهم شيئًا من هذا المحذور؛ قطع بينهم وبين هذا اللفظ، وألفتهم إلى ربهم ﷿ الذي هو له السيادة المطلقة، لهذا قال لهم: (السيد الله) .
بينما الجماعة الأخرى عاملهم معاملة أخرى، فقد لفت نظرهم إلى ما قد يخشى من هذا الاستعمال، ولذلك قال لهم: (قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان)، بين هنا الرسول ﵊ المحذور الذي قد يقع من مدحه ﵊ ولو بشيء هو متلبس فيه، وهو صفة تامة له، فكأنه يقول لهم: قولوا: يا سيدنا، ولكن احذروا أن تجركم هذه الكلمة إلى أن تقولوا فيه ﵊ ما لا يجوز فسبحان الله! إن النبي ﵊ كما قال الله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٣-٤] فالذي خشيه الرسول على أمته وقعت فيه الأمة إلا القليل منهم، وهم الذين يحرصون دائمًا على التمسك بالسنة، وترك العواطف التي تجمح بصاحبها ولا تعرف حدودًا لها، فالعواطف هنا تفسد على الإنسان عقيدته وفكره، لذلك تجد بعض الناس اليوم يُسأل مثل هذا السؤال: هل الأفضل أن نقول في التشهد: اللهم صلِّ على سيدنا محمد، أو أن نقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد إلى آخر الصلوات؟ والذي يدفع الناس إلى مثل هذا السؤال وهو سؤال مبتدع، ولم يخطر في بال السلف الصالح إطلاقًا، والسبب أنه لم يوجد موجبه، فلم يكن في الصحابة من يرى أن هناك هديًا أحسن وأهدى من هدي الرسول ﵊.
وقد يقول قائل: ولا أحد يقول ذلك اليوم، نقول: بل هناك أناس في واقع حياتهم يقولون: إن هناك أهدى من هدي الرسول ﵊، لكن لا يتجرءون على أن يتلفظوا بذلك؛ لأنه ضلال مبين ومكشوف، لماذا؟ لأنك تقول لأحدهم: يا أخي! لا تفعل كذا، فيقول: لماذا؟ فتقول له: لأن الرسول ﵊ لم يفعل ذلك، فإن قال: فكيف أثبت ما فعله الرسول؟ نقول: إما أن تثبت أن الرسول فعل، أو تثبت أن الرسول أمر أو حض، وإلا فارجع عن كلمتك، وإلا فمعنى كلامك: أن هداك خير من هدى الرسول، وهديك خير من هدي الرسول، وهذا هو الكفر بعينه.
فلم يكن في السلف من يقول في الصلاة: اللهم صلِّ على سيدنا؛ لأنهم تلقوا الأمر من الرسول ﵊ هكذا، وهم لا يخالفون الأمر بفلسفتهم وآرائهم الخاصة، بخلافنا نحن اليوم.
أنا أقول دائمًا وأبدًا: لو فتح باب إلحاق مثل هذه الألفاظ بآراء الناس لتغيرت الشريعة، ولأصابها ما أصاب شريعة التوراة والإنجيل، لكن وقف الناس -وهذا من فضل الله علينا وعليهم جميعًا- عند بعض الألفاظ، وإلا لو اعتقدوا برأيهم وقدموه لخرجوا بالكلية عن الشريعة، فلما نزل قوله ﵎: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦] قالوا: (يا رسول الله! هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد) إلى آخر الصلاة المعروفة فهل يتصور عالم -الجاهل ما لنا وله- يسمع هذا الأمر من الرسول مباشرة يقول لهم: (قولوا اللهم صلِّ على محمد) وإذا به بينه وبين ربه في التشهد يقول: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم إلخ، أما الصحابة، أما التابعون، أما أتباعهم، فهذا نعتبره مستحيلًا عليهم، أما المتأخرون فحدث ولا حرج.
وكنت أقول: مثل هذا يجر بعض الناس إلى زيادات أخرى، ولكنهم لا يفعلونها، فمثلًا: التحيات لله، لماذا لا يقولون: لله ﷾؟ والله أحق بالتبجيل والتعظيم، لماذا لا يقولون: التحيات لله ﷿؟ لماذا لا يقولون: التحيات لله مولانا وسيدنا وهو السيد الأصل؟ فكنت أطرح هذا الإشكال لأردهم عن تلك الزيادة للفظة (سيدنا)، وإذا بي أنتبه من بعض المصلين عندنا في المسجد إلى أن أحدهم يأتي بزيادات في التشهد ما سمعتها طيلة حياتي؛ لأنه لا توجد عنده ضوابط، ولا يوجد عنده قيد أن خير الهدى هدى محمد، وأن تعليمه كامل وليس بقاصر، فليس عنده هذه الفكرة.
وقد يكون -كما أشعر- عنده شيء من الدراسة الفقهية المتوارثة اليوم، لكنه ما سمع في حياته بأن خير الهدى هدى محمد معناه: ألا تزيد على ما جاء في السنة ولو حرفًا واحدًا.
5 / 5