Lessons by Sheikh Al-Albani
دروس للشيخ الألباني
Genre-genre
أفضل أنواع الحج
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
السؤال
ما هو الأفضل في الحج: التمتع أم القران أم الإفراد؟
الجواب
هذا السؤال قد اختلف الفقهاء في إجابتهم عليه منذ القدم.
فمن قائل: إن الأفضل هو القران، وحجتهم في ذلك: (أن النبي ﵌ حج حجة الوداع قارنًا)، وهذا هو الصحيح الثابت الراجح من الروايات المختلفة التي وردت عن النبي ﵌ في حجته.
وهناك من يقول: إنه ﵇ حج متمتعًا.
ومنهم من يقول: إنه حج حجًا مفردًا، وحجتهم ما جاء في بعض الروايات أن النبي ﵌ لبى بالحج، لكن هذا لا ينافي أنه ضم إلى الحج العمرة، وهذا ما جاء صريحًا عن بعض الصحابة، منهم أنس بن مالك حيث قال: (إنه كان آخذًا بخطام ناقة النبي ﵇ حينما أحرم بالحج من ذي الحليفة، قال: فسمعته يقول: لبيك اللهم بعمرة وحجة) .
فلا نشك -أقصد جماهير علماء الحديث- أن حجة النبي ﵌ كانت قرانًا، ولذلك فلا مجال للمفاضلة بين حج القران وبين حج الإفراد؛ لأن حج الإفراد ليس له وجه من التفضيل؛ لأنه لم يثبت أن الرسول ﵇ حج حجًا مفردًا من جهة، ولم يثبت أنه حج على حج الإفراد من جهة أخرى، ولذلك فلم يبق مجال للمفاضلة إلا بين القران وبين التمتع.
ولا نشك -أيضًا- أن التمتع بالعمرة إلى الحج هو الأفضل، بل هو الواجب؛ ذلك لأن النبي ﵌ -وإن كانت حجته قرانًا- كانت هناك ضميمة اقترنت بحجة النبي ﵌ تتعرى عن حجات الحاجين في أغلب الأزمان والعصور، وهي أنه ﵊ ساق الهدي معه من ذي الحليفة، أي: أنه ﵇ لما أحرم بالقران كان قد ساق الهدي، ولذلك فيختلف حكم من حج قارنًا وقد ساق الهدي، عن حكم من حج قارنًا ولم يسق الهدي.
هذا الاختلاف أخذناه من حجة الرسول ﵊ في حجة الوداع، ذلك أنه ثبت من حديث السيدة عائشة ﵂: (أن النبي ﵌ لما حج وحج الناس معه -وكانوا ألوفًا مؤلفة- كان منهم القارن، ومنهم المفرد، ومنهم المتمتع) فمن كان قارنًا مع الرسول ﵇ ومفردًا كانوا على قسمين: جمهورهم لم يسوقوا الهدي وإنما نحروا في منى، والقليل منهم ساقوا الهدي من ذي الحليفة.
وعلى هذا فيمكن أن نقول: إن الذين حجوا مع الرسول ﵇ منهم من ساق الهدي ومنهم من لم يسق الهدي، فالذين لم يسوقوا الهدي، أي: من كان قد قرن أو أفرد ولم يسق الهدي، فقد قال لهم ﵊ في أول الأمر وهم ينطلقون من المدينة إلى مكة: (من كان منكم لم يسق الهدي وأحب أن يجعلها عمرة فليفعل)، فنجد هنا أن الرسول ﵇ رغبهم ولم يعزم عليهم.
ثم في مرحلة أخرى لما جاء مكة وطاف حول الكعبة وسعى، قال لهم: (من لم يسق الهدي فليجعلها عمرة)، من قبل قال: (من أحب أن يجعلها عمرة فليفعل) وفي الأخير استقر حكم الله على لسان نبيه ﵊: (من لم يسق الهدي فليجعها عمرة)، فبادر بعضهم فتحلل.
ومعنى قول الرسول ﷺ: (فليجعلها عمرة) أي: فليفسخ نيته السابقة، سواء كان حج مفردًا أو حج قرانًا، وليحولها إلى نية جديدة، هي العمرة، ولازم ذلك أنه مجرد أن ينتهي من السعي بين الصفا والمروة يحلق شعره أو يقصه، وبذلك تنتهي العمرة، فيتحلل منها ويبقى حلالًا إلى اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وهو اليوم الذي يسمى بالتروية.
فبعض أصحاب الرسول ﵇ بادروا إلى التحلل، إلى فسخ الحج إلى العمرة، لكن بعضهم ضلوا في إحرامهم، فلما بلغ الخبر إلى الرسول ﵇ غضب، ورأته السيدة عائشة فقالت: (من أغضبك يا رسول الله؟ فقال: ما لي لا أغضب وأنا آمر الناس بأمر الفسخ ثم لا يفعلون) فخطب فيهم الرسول ﵇ مرة أخرى، فقال: (أيها الناس من لم يسق الهدي فليتحلل، ولولا أني سقت الهدي لأحللت معكم، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)، حينذاك بادر أصحاب الرسول ﵊ فتحللوا جميعًا، وكما يقول جابر وغيره: [فسطعت المجامر وأتين النساء]، أي: تحللوا.
من هنا نأخذ أن حج التمتع هو الواجب على كل حاج، إلا من ساق الهدي من الحل فله أسوة برسول الله ﵌، حيث كانت حجته كذلك، وإن كان في قوله الأخير: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة) ما يشعر بأن الأفضل بالنسبة إلينا بعد حجة الرسول ﵇ ألا نسوق الهدي أيضًا، هذا هو الأفضل، لكن فإن فعل ذلك فاعل فليس لنا عليه سبيل من الإنكار؛ لأن الرسول ﵇ فعل ذلك وما أنكره، بخلاف حج الإفراد، وبخلاف القران الذي لم يسق معه الهدي.
ونحن نؤكد إفادة وخطابة أن كل من أراد الحج فليجعل حجته متعة، ثم عليه بعد ذلك شكر الله ﷿، وأن يقدم هديًا إن وجد إلى ذلك سبيلًا، وإلا صام سبعة أيام حسبما فصل الله ﷿ ذلك بالقرآن، فقال: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ [البقرة:١٩٦] .
وكثير من الناس الذين يصدق فيهم قول ربنا ﵎: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء:١٢٨] لما كانوا يعلمون أن التمتع يجب عليه الهدي أو صيام عشرة أيام إذا لم يتيسر له الهدي، يفرون من هذا الحكم بحيلة شرعية، ومن تلك الحيل الشرعية: أنهم يفردون الحج ثم يقرنون العمرة إلى الحج، فبدل أن يتبعوا صريح القرآن وأمر الرسول ﵇ بأن يأتوا بالعمرة بين يدي الحج، فهم يأتون بالعمرة بعد الفراغ من مناسك الحج، ويتخلصوا مما أوجب الله عليهم من الهدي أو سواه، ثم يأتي من يحتج لهم بحديث السيدة عائشة ﵂: (أنها جاءت بالعمرة بعد الحج وهي مع النبي ﷺ، فأخذوا ذلك حجة لهم أن يعتمروا بعد الحج، وكأنهم يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعًا، مع أن الرسول ﵇ ثم الصحابة الذين كانوا معه، ثم السلف الذين جاءوا من بعدهم، كانوا كلهم يأتون بالعمرة بين يدي الحج، ثم يقدمون الهدي أو الصيام، أما هؤلاء الناس المحتالون الذين يأتون بالعمرة بعد الحج، فيتخلصون بذلك من هذا الواجب من الهدي أو الصيام، ويجب أن نعلم أن النبي ﵌ كان معه من الحجاج عشرات الألوف من الصحابة لم يأت أحد منهم بالعمرة بعد الحج، إلا السيدة عائشة ﵂، وهذا حكم خاص بها؛ لا لأنها عائشة وإنما لأنها كانت حائضًا.
2 / 2