Leadership in Prayer
الإمامة في الصلاة
Penerbit
مطبعة سفير
Lokasi Penerbit
الرياض
Genre-genre
٣٢٩
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
_
الإمامة في الصلاة
مفهوم، وفضائل، وأنواع، وآداب، وأحكام
في ضوء الكتاب والسُّنَّة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
_
Halaman tidak diketahui
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدّمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «الإمامة في الصلاة» بيّنت فيها بإيجاز: مفهوم الإمامة، وفضل الإمامة في الصلاة والعلم، وحكم طلب الإمامة إذا صلحت النّيّة، وأولى الناس بالإمامة، وأنواع الأئمة والإمامة، وأنواع وقوف المأموم مع الإمام، وأهمية الصفوف في الصلاة وترتيبها، وتسويتها، وألفاظ النبي ﷺ في تسويتها، وفضل الصفوف الأُوَل وميامن الصفوف، وحكم صلاة المنفرد خلف
1 / 3
الصف، وصلاة المأمومين بين السواري، وجواز انفراد المأموم لعذر، وانتقال المنفرد إمامًا، والإمام مأمومًا، والمأموم إمامًا، وأحوال المأموم مع الإمام، وأحكام الاقتداء بالإمام داخل المسجد وخارجه، والاقتداء بمن أخطأ بترك شرط أو ركن ولم يعلم المأموم، والاقتداء بمن ذكر أنه مُحدث وحكم الاستخلاف، وآداب الإمام، وآداب المأموم، وغير ذلك من الأحكام المهمة المتعلقة بالإمامة وآدابها، وكل ذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، حسب الإمكان.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ﵀.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل مباركًا، نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على
1 / 4
عبده ورسوله الأمين، نبينا، وقدوتنا، محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
المؤلف
حرّر في يوم الأحد الموافق ١٢/ ٦/١٤٢١هـ
1 / 5
الإمامة في الصّلاة
أولًا: مفهوم الإمامة والإمام:
الإمامة: مصدر أمَّ الناس: صار لهم إمامًا يتبعونه في صلاته (١). أي: تقدّم رجل المصلين ليقتدوا به في صلاتهم، والإمامة: رياسة المسلمين، والإمامة الكبرى: رياسة عامة في الدين والدنيا، خلافة عن النبي ﷺ، والخلافة هي الإمامة الكبرى، وإمام المسلمين: الخليفة ومن جرى مجراه (٢). والإمامة الصغرى: ربط صلاة المؤتم بالإمام بشروط (٣).
الإمام: كل من اقتُدِي به، وقُدِّم في الأمور، والنبي ﷺ إمام الأئمة، والخليفة: إمام الرعية، والقرآن إمام المسلمين، وإمام الجند: قائدهم.
والإمام جَمْعُهُ: أئمة، والإمام في الصلاة: من يتقدم
_________
(١) حاشية الروض المربع، للعلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ٢/ ٢٩٦.
(٢) انظر: القاموس الفقهي لغة واصطلاحًا، لسعدي أبو حبيب، ص٢٤.
(٣) انظر: المصدر السابق، ص٢٤.
1 / 6
المصلين ويتابعونه في حركات الصلاة. والإمام: من يأتم به الناس من رئيس وغيره، محقًّا كان أو مبطلًا، ومنه: إمام الصلاة، والإمام: العالم المقتدى به، وإمام كل شيء: قيِّمه والمصلح له (١).
ثانيًا: فضل الإمامة في الصلاة والعلم:
١ - الإمامة في الصلاة ولاية شرعية ذات فضل؛ لقول النبي ﷺ: «يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله» (٢). ومعلوم أن الأقرأ أفضل، فقرنها بأقرأ يدل على أفضليتها (٣).
٢ - الإمام في الصلاة يُقتدى به في الخير، ويدلّ على ذلك عموم قول الله ﷿ في وصفه لعباد الرحمن، وأنهم
_________
(١) انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، كتاب الهمزة، باب الهمزة في الذي يقال له مضاعف، ص٤٨، ولسان العرب، لابن منظور، باب الميم، فصل الهمزة،
١٢/ ٢٥، ومفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني، مادة: «أمَّ»، ص٨٧، ومعجم لغة الفقهاء، للأستاذ الدكتور محمد رواس، ص٦٨ - ٦٩.
(٢) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة، برقم ٦٧٣، من حديث أبي مسعود ﵁.
(٣) انظر: الشرح الممتع، للعلامة محمد بن صالح العثيمين، ٢/ ٣٦.
1 / 7
يقولون في دعائهم لربهم: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ
إِمَامًا﴾ (١). المعنى: اجعلنا أئمة يُقتدى بنا في الخير، وقيل: المعنى: اجعلنا هُداةً مهتدين دعاةً إلى الخير (٢). فسألوا الله أن يجعلهم أئمة التقوى يقتدي بهم أهل التقوى، قال ابن زيد كما قال لإبراهيم: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاما﴾ (٣)، وامتنّ الله ﷿ على من وفقه للإمامة في الدين فقال:
﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ﴾ (٤) أي لَمّا كانوا صابرين على أوامر الله ﷿ وترك نواهيه، والصبر على التعلم والتعليم والدعوة إلى الله، ووصلوا في إيمانهم إلى درجة اليقين - وهو العلم التام الموجب للعمل - كان منهم أئمة يهدون إلى الحق
_________
(١) سورة الفرقان، الآية: ٧٤.
(٢) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للإمام الطبري، ١٩/ ٣١٩، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير، ص٩٦٦.
(٣) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ١٩/ ٣١٩.
(٤) سورة السجدة، الآية: ٢٤.
1 / 8
بأمر الله، ويدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (١).
٣ - دعاء النبي ﷺ للأئمة بالإرشاد، فعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «الإمام ضامنٌ والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين» (٢).
٤ - الإمامة فضلها مشهور، تولاها النبي ﷺ بنفسه، وكذلك خلفاؤه الراشدون، وما زال يتولاها أفضل المسلمين علمًا وعملًا، ولا يمنع هذا الفضل العظيم أن يكون الأذان له ثواب أكثر؛ لِمَا فيه من إعلان ذكر الله تعالى، ولِمَا فيه من المشقّة، ولهذا اختلف العلماء في أيهما أفضل: الأذان أم الإمامة؟ فمنهم من قال: الإمامة أفضل، لِمَا سبق من الأدلة، ومنهم من قال: الأذان
_________
(١) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، ٢٠/ ١٩٤، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير، ص١٠١٩، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص٦٠٤، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ٢٣/ ٣٤٠.
(٢) أبو داود، برقم ٥١٧، والترمذي، برقم ٢٠٧، وابن خزيمة، برقم ٥٢٨، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ١٠٥، وتقدم تخريجه في فضل الأذان.
1 / 9
أفضل، لقوله ﷺ: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين». ومنزلة الأمانة فوق منزلة الضمان وأعلى منه، والمدعو له بالمغفرة أفضل من المدعو له بالرشد، فالمغفرة أعلى من الإرشاد؛ لأن المغفرة نهاية الخير (١).
واختار شيخ الإسلام ﵀ أن الأذان أفضل من الإمامة (٢). وأما إمامة النبي ﷺ وإمامة الخلفاء الراشدين ﵃ فكانت متعينة عليهم؛ فإنها وظيفة الإمام الأعظم ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان، فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الأذان؛ لخصوص أحوالهم، وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل (٣).
_________
(١) انظر: المغني، لابن قدامة، ٢/ ٥٥، وشرح العمدة، لشيخ الإسلام ابن تيمية،
٢/ ١٣٦ - ١٤٠، وحاشية عبد الرحمن القاسم على الروض المربع، ٢/ ٢٩٦، والشرح الممتع لابن عثيمين، ٢/ ٣٦.
(٢) انظر: شرح العمدة، ٢/ ١٣٧، والاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية،
ص٥٦، ورجح قول شيخ الإسلام العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، ٢/ ٣٦.
(٣) الاختيارات الفقهية، لشيخ الإسلام ابن تيمية ص٥٦،وشرح العمدة له، ٢/ ١٣٩.
1 / 10
٥ - عظم شأن الإمامة وخطره على من استهان بأمرها ظاهر في حديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: «يصلون لكم فإن أصابوا فلكم [ولهم] وإن أخطأوا فلكم وعليهم» (١). والمعنى: «يصلون» أي الأئمة «لكم» أي لأجلكم، «فإن أصابوا» في الأركان والشروط، والواجبات، والسنن «فلكم» ثواب صلاتكم، «ولهم» ثواب صلاتهم، «وإن أخطأوا» أي ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم، ككونهم محدثين «فلكم»، ثوابها، «وعليهم» عقابها (٢). وعن عقبة بن عامر ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَن أمّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئًا فعليه ولا عليهم» (٣).
_________
(١) البخاري، كتاب الأذان، باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه، برقم ٦٩٤ وما بين المعقوفين في نسخة دار السلام، وعند أحمد، ٢/ ٣٥٥.
(٢) انظر: فتح الباري لابن حجر، ٢/ ١٨٧، وإرشاد الساري للقسطلاني، ٢/ ٣٤١.
(٣) أحمد، ٤/ ١٥٤، وابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما يجب على الإمام، برقم ٩٨٣، أبو داود، كتاب الصلاة، باب جماع الإمامة وفضلها، برقم ٥٨٠، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ١١٥: «حسن صحيح»، وصححه في صحيح سنن ابن ماجه، ١/ ٢٩٣.
1 / 11
وعن سهل بن سعد ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء
- يعني - فعليه ولا عليهم» (١).
ثالثًا: طلب الإمامة في الصلاة إذا صلحت النية لا بأس به؛ لحديث عثمان بن أبي العاص ﵁ قال: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، فقال: «أنت إمامهم واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا» (٢).
والحديث يدلّ على جواز طلب الإمامة في الخير، وقد ورد في أدعية عباد الرحمن الذين وصفهم الله بتلك الأوصاف الجميلة أنهم يقولون: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (٣). وليس ذلك من طلب الرياسة المكروهة؛ فإن
_________
(١) ابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما يجب على الإمام، برقم ٩٨١، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ١/ ٢٩٢.
(٢) أبو داود، برقم ٥٣١، والترمذي، برقم ٢٠٩، والنسائي، برقم ٦٧٢، وتقدم تخريجه في الأذان، آداب المؤذن، وصححه الألباني في الإرواء، ٥/ ٣١٥.
(٣) سورة الفرقان، الآية: ٧٤.
1 / 12
ذلك فيما يتعلق برياسة الدنيا التي لا يعان من طلبها، ولا يستحق أن يُعطاها من سألها (١)، فإذا صلحت النية وتأكدت الرغبة في القيام بالواجب والدعوة إلى الله ﷿ فلا حرج من طلب ذلك.
رابعًا: أولى الناس بالإمامة: الأقرأ (٢) العالم فقه صلاته (٣)، فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأقدمهم
_________
(١) انظر: سبل السلام، للصنعاني، ٢/ ٨٦، والمنهل العذب المورود في شرح سنن الإمام أبي داود، للشيخ محمود بن محمد بن خطاب السبكي، ٤/ ٢٠٨.
(٢) الأقرأ: قيل: الأقرأ: هو أكثرهم قرآنًا، وقيل: أجودهم وأحسنهم وأتقنهم قراءة، والصواب القول الأول؛ لحديث عمرو بن سلمة وفيه: «... وليؤمكم أكثركم قرآنًا»، [البخاري برقم ٤٣٠٢]؛ ولحديث أبي سعيد الخدري ﵁ وفيه: «وأحقهم بالإمامة أقرؤهم»، [مسلم برقم ٦٧٢]، ومعناه: أكثرهم قرآنًا، ولكن لو استووا في القرآن بحيث قد استظهروا القرآن كله فيرجح من كان أتقنهم قراءة وأضبط لها، وأحسن ترتيلًا؛ لأنه الأقرأ بالنسبة لهؤلاء الذين استووا في كثرة الحفظ. [انظر: المفهم، للقرطبي، ٢/ ٢٩٧، والمغني، لابن قدامة، ٢/ ١٤، ونيل الأوطار، للشوكاني، ٢/ ٣٩٠].
(٣) العالم فقه صلاته: أي يعلم شروطها، وأركانها، وواجباتها، ومبطلاتها، ونحو ذلك، قال الحافظ ابن حجر: «ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفًا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة، فأما إذا كان جاهلًا بذلك فلا يقدم اتفاقًا» فتح الباري، ٢/ ١٧١، وانظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، ٢/ ٢٩٦، والشرح الممتع، لابن عثيمين، ٤/ ٢٩١.
1 / 13
هجرة، فإن استووا فأقدمهم إسلامًا، لحديث أبي مسعود الأنصاري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله (١) فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرة (٢)، فإن كانوا في
_________
(١) يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله: فيه دليل واضح على أنه يقدم الأقرأ على الأفقه، وهو مذهب الإمام أحمد، وأبي حنيفة، وبعض أصحاب الشافعي، وقال الإمام مالك والشافعي وأصحابهما: الأفقه مقدم على الأقرأ؛ لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه، لكن في قوله ﷺ: «فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة»: دليل على تقديم الأقرأ مطلقًا، والصواب أن الأقرأ يقدم إذا كان عارفًا فقه صلاته. [انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ٥/ ١٧٨، والمفهم في تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، ٢/ ٢٩٧، والمغني لابن قدامة، ٣/ ١١ - ١٢، وفتح الباري لابن حجر، ٢/ ١٧١، ونيل الأوطار للشوكاني، ٢/ ٣٨٩، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، ٢/ ٢٩٦، والشرح الممتع لابن عثيمين،
٤/ ٢٨٩ - ٢٩١، وسبل السلام للصنعاني، ٣/ ٩٥].
(٢) فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة: الهجرة المقدَّم بها في الإمامة لا تختص بالهجرة في عصره ﷺ، بل هي التي لا تنقطع إلى يوم القيامة كما ثبت ذلك في الأحاديث؛ لأن الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام قربة وطاعة، فقدم السابق إليها؛ لسبقه إلى الطاعة. انظر: المغني لابن قدامة، ٣/ ١٥، وشرح النووي على صحيح مسلم، ٥/ ١٧٩، ونيل الأوطار للشوكاني، ٢/ ٣٩٠، وسبل السلام للصنعاني، ٣/ ٩٦.
1 / 14
الهجرة سواءً فأقدمهم سلمًا - وفي رواية - سنًّا (١) ولا يؤمّنَّ الرَّجلُ الرَّجلَ في سلطانه (٢)، ولا يقعد في بيته على تكْرِمَتِه (٣) إلا بإذنه». وفي لفظ: «يؤم القوم أقرؤهم
_________
(١) الأقدم سلمًا وفي رواية «سنًّا»، وفي الرواية الأخرى «فأكبرهم سنًّا»، وهذا لفضيلة السبق إلى الإسلام، والرواية الأخرى «سنًّا» راجع إلى سبق السن بالإسلام؛ لأن الأكبر سبق الأصغر. [انظر: المفهم للقرطبي، ٢/ ٢٩٨] وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم ٤٣٦: «ومن كان أقدم سلمًا فهو أكبرهم سنًّا إلا أن يكونوا كفارًا ثم أسلموا، فأقدمهم إسلامًا هو من جنس أقدمهم هجرة» [وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم،٥/ ١٨٠، ونيل الأوطار للشوكاني،٢/ ٣٩٠،وسبل السلام للصنعاني،٣/ ٩٦،والمغني لابن قدامة،٣/ ١٥].
(٢) ولا يؤمّنّ الرجل الرجل في سلطانه أي في موضع سلطته، وهو ما يملكه أو يتسلط عليه بالتصرف فيه، ويدخل فيه صاحب البيت والمجلس، وإمام المسجد، وأعظم السلطة السلطان الأعظم؛ لأن ولايته عامة، وصاحب المكان أحق فإن شاء تقدم وإن شاء قدم من يريده، وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولًا بالنسبة للحاضرين؛ لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء، والسلطان مقدم على إمام المسجد وصاحب البيت، ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه. [انظر: المفهم للقرطبي، ٢/ ٢٩٩، والمغني لابن قدامة، ٣/ ٤٢، وشرح النووي، ٥/ ١٨٠، ونيل الأوطار للشوكاني، ٢/ ٣٩١، وسبل السلام للصنعاني، ٣/ ٩٧، والشرح الممتع لابن عثيمين، ٤/ ٢٩٩].
(٣) «ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه»، وفي رواية: «ولا تجلس على تكرمته في بيته إلا أن يأذن لك أو بإذنه»، والتكرمة: الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به، ووجه هذا المنع أنه مبني على منع التصرف في ملك الغير إلا بإذنه، غير أنه خص التكرمة بالذكر للتساهل في القعود عليها، وإذا منع القعود فمنع التصرف بنقلها أو بيعها أولى. المفهم للقرطبي، ٢/ ٢٩٩،وشرح النووي على صحيح مسلم،٥/ ١٨٠.
1 / 15
لكتاب الله وأقدمهم قراءة، فإن كانت قراءتهم سواءً ...» (١).
أما حديث مالك بن الحويرث ﵁ الذي فيه: «فإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدُكم ثم ليؤمَّكم أكبرُكم» (٢). فقدم الأكبر؛ لأنهم استووا في باقي الخصال والشروط؛ لأنهم هاجروا جميعًا، وصحبوا رسول الله ﷺ ولازموه عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه، ولم يبق ما يقدم به إلا السن (٣).
فالمراتب خمس: يقدم الأقرأ، فالأعلم بالسنة، فالأقدم
_________
(١) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة، برقم ٦٧٣.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد، برقم ٦٢٨، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من الأحق بالإمامة، برقم ٦٧٤.
(٣) انظر: شرح النووي على مسلم، ٥/ ١٨١، والمفهم للقرطبي، ٢/ ٣٠١.
1 / 16
هجرة، فالأقدم إسلامًا، فالأكبر سنًّا (١).
خامسًا: أنواع الإمامة في الصلاة على النحو الآتي:
١ - إمامة الصبي جائزة على الصحيح (٢)؛ لحديث عمرو بن سلمة قال: كنا بماء ممرِّ الناس (٣)، وكان يمرّ بنا الرّكبان فنسألهم ما للناس ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ (٤) فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه، أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذاك الكلام، فكأنما يقرُّ في صدري، وكانت العرب تلوَّم بإسلامهم الفتح (٥)، فيقولون اتركوه
_________
(١) انظر: الشرح الممتع، ٤/ ٢٩٦.
(٢) اختلف أهل العلم في إمامة الصبي: فمذهب الشافعية أنها تصح مطلقًا في الفريضة والنفل، ومذهب المالكية، والحنفية، والحنابلة أن إمامة الصبي لا تصح في الفرض بالبالغ. انظر: المغني لابن قدامة، ٣/ ٧٠، والشرح الكبير ومعه المقنع والإنصاف،
٤/ ٣٨٧، وفتح الباري لابن حجر، ٨/ ٢٣، ونيل الأوطار للشوكاني، ٢/ ٤٠١.
(٣) بماء ممر الناس: موضع مرورهم. انظر: فتح الباري لابن حجر، ٨/ ٢٣، وإرشاد الساري للقسطلاني، ٩/ ٢٨٤.
(٤) ما هذا الرجل: يسألون عن حال النبي ﷺ وحال العرب معه. فتح الباري لابن حجر، ٨/ ٢٣.
(٥) تلوَّم: تنتظر. فتح الباري لابن حجر، ٨/ ٢٣.
1 / 17
وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم (١)، فلما قَدِمَ قال: «جئتكم والله من عند النبي ﷺ حقًّا، فقال: «صلّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلّوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصّلاة فليؤذِّن أحدُكم، وليؤمَّكم أكثرُكم قرآنًا» فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا منّي؛ لِمَا كنت أتلقَّى من الركبان، فقدّموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عليَّ بردة، كنت إذا سجدت تقلَّصت عني (٢)، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطُّون عنا است قارئكم؟ فاشتروا (٣) فقطعوا لي قميصًا فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص». وفي أبي داود زيادة: «قال عمرو بن سلمة فما شهدت مجمعًا من جرم إلا كنت إمامهم، وكنت أصلي على جنائزهم إلى
_________
(١) بدر: سبق. المرجع السابق، ٨/ ٢٣.
(٢) بردة: كساء صغير مربع ويقال كساء أسود، ومعنى: تقلصت: انكشفت عنه. انظر: فتح الباري لابن حجر، ٨/ ٢٣، ونيل الأوطار للشوكاني، ٢/ ٤٠١.
(٣) فاشتروا: أي ثوبًا، انظر: فتح الباري، ٨/ ٢٣.
1 / 18
يومي هذا» (١).
وهذا هو الصّواب أنّ إمامة الصّبي تصحّ بالفرض والنّفل إذا قدّمه القوم وكان أكثرهم قرآنًا، وقد بلغ سبع سنين؛ لأنه لا قياس في مقابلة النّصّ؛ ولأنّ إمامة عمرو بن سلمة بقومه كانت زمن الوحي، فلو كانت الصّلاة باطلة وعمله منكرًا؛ لأنكره الله تعالى؛ ولأنّ الذين قدَّموا عمرًا كانوا كلهم صحابة (٢)، وقد قال جابر ﵁: «كنّا نعزل والقرآن ينزل» وفي لفظ: «كنّا نعزل على عهد رسول الله ﷺ» (٣). وفي رواية مسلم: «كنّا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيئًا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن».
_________
(١) البخاري، كتاب المغازي، باب مقام النبي ﷺ بمكة زمن الفتح، برقم ٤٣٠٢، وزيادة أبي داود: «فاشتروا لي قميصًا عُمانيًّا»، برقم ٥٨٥،وزاد في روايته رقم ٥٨٧: «فما شهدت مجمعًا من جرم إلا كنت إمامهم، وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا».
(٢) انظر: نيل الأوطار للشوكاني، ٢/ ٤٠١، وفتح الباري لابن حجر، ٨/ ٢٣،
و٢/ ١٨٥، وسبل السلام للصنعاني، ٣/ ٩٤، ومجموع فتاوى ابن باز، ١٢/ ١٩٨، والشرح الممتع لابن عثيمين، ٤/ ٣١٧ - ٣١٨.
(٣) متفق عليه: البخاري، كتاب النكاح، باب العزل، برقم ٥٢٠٧ - ٥٢٠٩، ومسلم، كتاب النكاح، باب حكم العزل، برقم ١٤٤٠.
1 / 19
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز
﵀ يرجّح صحّة إمامة الصبي الذي بلغ سبع سنين في الفرض والنّفل، وأنه يعتدّ بالصّبي في المصافة في الصّلاة، وأنّ الأصل في الفرائض والنّوافل سواء إلا ما خصّه الدّليل (١).
٢ - إمامة الأعمى صحيحة بلا كراهة؛ لحديث أنس ﵁ أنّ النبي ﷺ استخلف ابن أمِّ مكتوم يؤمُّ الناس وهو أعمى (٢)، وفي رواية عنه أن النبي ﷺ استخلف ابن أمِّ مكتوم على المدينة مرتين (٣). وقد عُدَّت مراتُ استخلاف ابن أم مكتوم فبلغت ثلاث عشرة مرة، وهذا دليل على
_________
(١) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم ٤٣٥، وأثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم ٤٣٠٢.
(٢) ابو داود، كتاب الصلاة، باب إمامة الأعمى، برقم ٥٩٥،وأحمد في المسند، ٣/ ١٩٢، والبيهقي في السنن الكبرى، ٣/ ٨٨، وله شاهد عن عائشة ﵂ عند ابن حبان في [الإحسان،٥/ ٥٠٦ برقم ٢١٣٤]،وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ١١٨: «حسن صحيح».
(٣) أبو داود، كتاب الخراج، باب في الضرير يولَّى، برقم ٢٩٣١، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ٢/ ٥٦٦.
1 / 20
صحّة إمامة الأعمى من دون كراهة في ذلك (١)، ويدلّ على ذلك ما رواه محمود بن الربيع الأنصاري ﵁ أن عتبان بن مالك كان يؤمُّ قومَهُ وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله ﷺ، يا رسول الله: إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصلِّ يا رسول الله في بيتي مكانًا أتخذه مُصلَّى، فجاءه رسول الله ﷺ فقال: «أين تحبّ أن أصلّي»؟ فأشار إلى مكان من البيت فصلّى فيه رسول الله ﷺ (٢).
٣ - إمامة العبد والمولى صحيحة؛ لحديث ابن عمر ﵄ قال: لَمّا قَدِمَ المهاجرون الأوّلون العقبة - موضع بقباء - قبل مقدم رسول الله ﷺ كان يؤمُّهم سالم مولى أبي حذيفة ﵁ وكان أكثرهما قرآنًا (٣).
وفي رواية: عن ابن عمر ﵄ قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي ﷺ في
_________
(١) انظر: سبل السلام للصنعاني، ٣/ ١٢٠، ونيل الأوطار للشوكاني، ٢/ ٣٩٥.
(٢) البخاري، كتاب الأذان، باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله، برقم ٦٦٧.
(٣) البخاري، كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمولى، برقم ٦٩٢.
1 / 21