بالله جُدْ لي بوعدِ صِدْقٍ ... وخلَّ هذا الدَّلالَ عَنْكَا
ولا تَدعْنِي أظلُّ أشكوُ ... مثلُ مُحيَّاكَ لَيْسَ يَشْكَا
فقال: سمعًا وطاعة لإشارتك، وحظي أوفى وأوفر في إتيانك وزيارتك، وشرع في القيام، فسقطت مغشيا، فضمني ضمة عدت بها قويا سويا.
فقال: تثبت أيها الشهم الشجاع، وتجلد أيها البطل المطاع فما أنت من أراذل الناس، ولا ممن يردعه الباس، بل أنت من جملة السراة وأساطينهم، والمعروف عند ملوك الإسلام وسلاطينهم، فقف عند مقدار نفسك العزيزة، ولا تعد عن ألفاظك الوجيزة، ثم أنشدني في الحال مرتجلًا:
فأنت إمامي في العلا والودادا ... فما زلتَ تدَّعي فيهم سيْدًا سيَّدا
فيا لكَ من حَبْرِ وبَحْرِ مَواهِبٍ ... تجدُ الفتاوَى والفُتُوَّةَ سَرْمَدَا
على هذه الأيَّام ما تستحقُّه ... فكم قد أضاعتْ منكَ حقًَّا مُؤكَّدا
فلم أنصفتَ ساورتْ محلَّك بالسُّهَا ... عُلُوًَّا وصاغت نعلَ رِجْلِكَ عَسْجَدًا
فقلتُ له: لقد أهديتني بفصاحة لسانكَ، وأسكرتني بخمرة رضابك وبنانك، فمتعني بك سويعة يسيرة، وعللني بالنظر إليك مدة قصيرة، وأسكرني من رضاب ثغرك ولفظه، وسر في أمان الله وحفظه:
مَتِّعْ لواحظَنَا بحسنكَ ساعةً ... ودَعِ النُّفُوسَ تروحُ وهي توالفُ
فاجعلْ وعُوُدكَ لي صُدُودًا خالصًا ... فلقد أراك إذا وعدتَ تخالفُ
واشقوتي في حُبِّ أهيفَ فاتني ... فمالي عليه سوى البُكاء مُساعفُ
سَلْ خصرَهُ عن طُل ليلة شعره ... إن َّ السَّقيم بطُول ليلٍ عارِفُ
فقال: دعني من التسويف والتعليل، فلا بد من التفرق والرحيل، وميعادنا يوم
السبت المذكور، والله ﷾ ميسر الأمور.
ثم ودعني، فودعت عقلي وقلبي، ولاقيت أحزاني وكربي، فقبلت فاه العاطر، وعانقت قوامه المياد، وضاعف الوجد حزني فتقطع القلب أو كاد، فما رويت بمراشفه وإن كان لها برد في الفؤاد، ولا سررت بمعانقته لأنه عناق بعاد:
قبَّلتُهُ ولثمتُ باسِم ثَغْرِهِ ... مع خَدِّه وضَمَمْتُ عادلَ قَدِّهِ
ثُمَّ انثنيتُ ومُقلَتي تبكي دمًا ... يا ربِّ لا تجعله آخِرَ عَهْدِهِ
ثم امتطى ظهر جواده الأشقر، وصبح جبينه قد أشرق وأسفر، وطرفه قد سكر وعربد، وخده قد توهج وتوقد، وصدغه قد تعقرب وتجعد، وعطفه قد تثنى وتفرد، وخصره قد تناحف
1 / 31