العاشق يجد لذة في المحبة عليه عائدة، والرقيب يضيع زمانه ويذوب فؤاده بلا فائدة.
لكن العاشق يشتكي من حضوره ومجالسته، ويتأذى بترصده وملازمته، فلو كان لي حكم يشاع أو أمر يطاع، لمتعت كل عاشق بالحبيب، وأخليت الأرض من كل رقيب، وفي هذا المعنى العجيب، واللفظ المطرب الغريب:
لي شهوتانِ أوَدُّ جَمْعَهُمَا ... لو كانت الشهَّوات مضمُونَة
أعناقُ عُذَّالي مُدقَّقَةٌ ... ومَفَاصِلُ الرُّقباءِ مدفُونَة
ولكن القضاء ليس بمدفوع ولا مردود، ولنرجع الآن إلى ذكر المقصود.
فقال لي مصباح النواظر، وراحة الأرواح والخواطر: عدني إلى يوم ألقاك فيه هنا وأغشى فيه وطنك، لتبلغ به وطرك والهنا، فقد طال على أصحابي مقامي، وهم لا يدرون أين مرامي، ولا يمكنني التأخير عندك ساعة أخرى، بل اللحوق بأترابي أولى وأحرى، فمتى بلغهم حقيقة خبرنا، واقتصوا مع العلم على أثرنا، وقعنا معهم في المقعد المقيم، فلم تأمن أن تحرم من وجهي بعدها نضرة النعيم.
فقطع نياط قلبي بهذا الكلام، وقادني غريم الغرام إلى الرضى بزمام، وذهب عقلي وطار، وجرى دمعي وجار، وقرب مصرعي ودنا، وحرت فلم أدر أين أنا:
أَأَحْبابَنَا ماذا الرَّحيلُ الذي دَنَا ... لقد كُنْتُ مِنْهُ دائمًا أَتخوَّفُ
هَبُوا لي قلبًا إنْ رحلتُم أطاعني ... فإنَي بقلبي ذلك اليوم أُعْرَفُ
1 / 29