Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Penerbit
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Tahun Penerbitan
1315 هـ
الله مقيما بمسجد الشونيزية مات ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ومن كلامه رضي الله عنه سكون القلوب إلى غير الله عقوبة عجلها الله للعبد في الدنيا، وكان رضي الله عنه يقول: ذهبت حقائق الأشياء، وبقيت أسماؤها فالأسمار موجودة، والحقائق مفقودة، والدعاوى في السرائر مكنونة، والألسنة بها فصيحة، وعن قريب تفقد هذه الألسن، وهذه الدعاوى فلا يوجد لسان ناطق، ولا مدع صائب، وكان يقول: المسلم محبوب إلى الخلق، والمؤمن غني عن الخلق، واعتكف مرة قي العشر الأخير من رمضان فرأى المتعبدين يتهجدون، والقراء يقرءون فقطع الاعتكاف، وخرج فقيل له في ذلك فقال: لما رأيت تعظيمهم لطاعتهم واعتمادهم على عبادتهم لم يسعني إلا الخروج خوفا من نزول البلاء عليهم رضي الله عنه.
ومنهم أبو علي الروذباري، واسمه أحمد بن محمد
رضي الله تعالى عنه
هو من ذرية كسرى، وهو من أهل بغداد وسكن مصر، وكان شيخها، وبها مات سنة اثنتين وعشرين، وثلاثمائة، ودفن بالقرافة قريبا من ذي النون المصري رحمه الله تعالى. صحب الجنيد والنوري، وأبا حمزة البغدادي، وكان حافظا للحديث ظريفا عارفا بالطريقة، وكان يفتخر. بمشايخه فيقول: شيخي في التصوف الجنيد، وفي الفقه أبو العباس بن سريج، وفي الأدب ثعلب، وفي الحديث إبراهيم الحربي رضي الله عنهم أجمعين.
وكان رضي الله عنه يقول: الإشارة الإبانة عما يتضمنه الوجد من المشار إليه لا غير، وفي الحقيقة إن الإشارة تصحبها العلل، والعلل بعيدة عن الحقائق، وسئل عمن يسمع الملاهي، ويقول: هي لي حلال لأني قد، وصلت إلى درجة لا تؤثر في الاختلاف فقال: نعم قد، وصل، ولكن إلى سقر، وكان يقول: لو تكلم أهل التوحيد بلسان التجريد لما بقي محب إلا مات، وكان يقول: كيف تشهده الأشياء، وبه فنيت بذواتها عن ذواتها أم كيف غابت الأشياء عنه، وبه ظهرت بصفاتها فسبحان من لا يشهده شيء، ولا يغيب عنه شيء، وكان يقول: لما تشوقت القلوب إلى مشاهدة ذات الحق ألقى عليها الأسامي فسكنت وركنت إليها، والذات متسترة إلى أوان التجلي، وذلك قوله تعالى: " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " " الأعراف: 180 " الآية أي قفوا معها على إدراك الحقائق، وكان يقول: أظهر الحق الأسامي، وأبداها للخلق ليسكن لها قلوب المحبين ويؤنس بها قلوب العارفين له، وكان يقول المشاهدات للقلوب، والمكاشفات للأسرار، والمعاينات للبصائر والمرئيات للأبصار، وكان يقول: من نظر إلى نفسه مرة عمي عن النظر إلى شيء من الأكوان على وجه الاعتبار، وكان رضي الله عنه يقول: ما ادعى أحد قط إلا لخلوه عن الحقائق، ولو تحقق في شيء لنطقت عنه الحقيقة، وأغنته عن الدعاوى، وكان يقول: التصوف هو الإناخة على باب الحبيب، وإن طرد وسئل رضي الله عنه عن التصوف مرة أخرى فقال: هو صفوه القرب بعد كدورة البعد، وكان رضي الله عنه يقول: أدركنا الناس، وكانوا يجتمعون لا عن مواعدة، ويفترقون لا عن مشورة، وكان إذا شاوره فقير بالذهاب يعرض عنه بالجواب، وكان يقول: من علامة مقت الله للعبد أن يتقلق من مجلس الذكر إذا طال لأنه لو أحبه لكان الألف سنة في حضرته كلمح البصر.
وكان يقول: لا ينبغي أن يربي الأحداث إلا الكمل الذين استولت عليهم هيبة الله تعالى وقد كان أحدهم يربي الحدث حتى تطلع لحيته لا يعلم بذلك إلا من الناس قال: وكان عندنا ببغداد عشرة فتيان معهم عشرة أحداث كل واحد منهم معه حدث، وكانوا مجتمعين في موضع. فوجهوا واحدا من الأحداث ليأخذ لهم حاجة فأبطأ عليهم فغضبوا لتأخيره عنهم ثم أقبل، وهو يضحك، وبيده بطيخة يقلبها فقالوا له: كم اشتريتها فقال: بعشرين درهما فقالوا له: ما السبب في غلوها فقال: رأيت فقيرا، وضع يده عليها فالتمست لكم البركة بوضع يده عليها فرضوا منه ذلك، وتقاسموها، وقالوا زادك الله تعظيما لأهل الطريق فما مات الحدث حتى صار من أكابر أهل الطريق، وكان يطعم الفقراء الحلواء، واتخذ مرة أحمالا من السكر الأبيض، ودعا جماعة من الحلوانيين حتى عملوا من ذلك السكر جدارا، وعليه شرفات، ومحاريب على أعمدة منقوشة كلها من السكر ثم دعا الصوفية فهدموها، وكسروها، وانتهبوها وهو يتبسم رضي الله عنه.
ومنهم أبو علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي
رحمه الله تعالى
لقي أبا حفص، وحمدون القصار، وكان إماما في أكثر علوم الشرع مقدما في كل فن منه ثم عطل أكثر علومه، واشتغل
Halaman 91