Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Penerbit
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Tahun Penerbitan
1315 هـ
أحد من طائفة العلماء، أو الفقراء فتسقط من عين رعاية الله عز وجل، وتستوجب المقت من الله عز وجل.
وكان الجنيد رضي الله عنه يقول: من قعد مع هؤلاء القوم، وخالفهم في شيء مما يتحققون به نزع الله تعالى منه نور الإيمان، قلت: ومراده نور الإيمان بذلك الكلام الذي خالفهم فيه لا نور سائر أنواع الإيمان كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر فافهم.
ونظير ذلك لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، أي بأن الله يراه حال الزنا وهكذا، وإنما نهى القوم عن المنازعة لأن علومهم مواجيد لا نقل فيها، ومن كان يخبر عما يعاين، ويشاهد لا يجوز للسامع منازعته فيما أتى به، بل يجب عليه التصديق به إن كان مريدا، والتسليم له إن كان أجنبيا، فإن علوم القوم لا تقبل المنازعة لأنها وراثة نبوية، وفي الحديث: (عند نبي لا ينبغي التنازع) ونهى صلى الله عليه وسلم عن الجدال وقال في المجادل: (فليتبوأ مقعده من النار) .
وكان الشيخ محيي الدين رضي الله عنه يقول: أصل منازعة الناس في المعارف الإلهية، والإشارات الربانية كونها خارجة عن طور العقول، ومجيئها بغتة من غير نقل، ونظر، ومن غير طريق العقل فتنكرت على الناس من حيث طريقها، فأنكروها وجهلوها، ومن أنكر طريقا من الطرق عادى أهلها ضرورة لاعتقاده، فسادها، وفساد عقائد أهلها، وغاب عنه أن الإنكار من الوجود، والعاقل يجب عليه أن يغير منكرا أنكره ليخرج عن طور الجحود، فإن الأولياء، والعلماء العاملين، قد جلسوا مع الله عز وجل على حقيقة التصديق، والصدق والتسليم، والإخلاص، والوفاء بالعهود، وعلى مراقبة الأنفاس مع الله عز وجل حتى سلموا قيادهم إليه، وألقوا نفوسهم سلما بين يديه، وتركوا الانتصار لنفوسهم في وقت من الأوقات حياء من ربوبية ربهم عز وجل، واكتفاء بقيوميته عليهم، فقام لهم بما يقومون لأنفسهم بل أعظم، وكان تعالى هو المحارب عنهم لمن حاربهم، والغالب لمن غالبهم.
قال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: ولما علم الله عز وجل ما سيقال في هذه الطائفة على حسب ما سبق به العلم القديم، بدأ سبحانه وتعالى بنفسه، فقضى على قوم أعرض عنهم بالشقاء، فنسبوا إليه زوجة، وولدا، وفقرا، وجعلوه مغلول اليدين، فإذا ضاق ذرع الولي، أو الصديق لأجل كلام قيل فيه من كفر، وزندقة، وسحر، وجنون، وغير ذلك نادته هواتف الحق في سره: الذي قيل فيك هو وصفك الأصلي، لولا فضلي عليك أما ترى إخواتك من بني آدم كيف وقعوا في جنابي، ونسبوا إلي ما لا ينبغي لي، فإن لم ينشرح لما قيل فيه، بل انقبض نادته هواتف الحق أيضا أمالك بي أسوة، فقد قيل في ما لا يليق بجلالي، وقيل في حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي إخوانه من الأنبياء، والرسل ما لا يليق بمرتبتهم من السحر، والجنون، وأنهم يا يريدون بدعائهم إلا الرياسة، والتفضيل عليهم، فانظر يا أخي مداواة الحق جل وعلا لمحمد صلى الله عليه وسلم حين ضاق صدره من قول الكفار قال الله تعالى: " فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " الحجر: 98، 99 فيجب عليك أيها الولي الاقتداء برسولك صلى الله عليه وسلم في ذلك، إذ هو طب إلهي، ودواء رباني، وهو مزيل لضيق الصدر الحاصل من أقوال الأغيار أهل الإنكار، والاغترار، وذلك لأن التسبيح هو تنزيه الله تعالى عما لا يليق بكماله بالثناء عليه تعالى بالأمور السلبية، ونفي النقائص عن الجناب الإلهي كالتشبيه، والتحديد، وأما التحميد فهو الثناء على الله تعالى بما يليق بحماله، وجلاله، وهما مزيلان لمرض ضيق الصدر الحاصل من قول المنكرين، والمستهزئين، وأما السجود فهو كناية عن طهارة العبد من طلب العلو، والرفعة لأن الساجد قد فني عن صفة العلو حال سجوده، ولذلك شرع للعبد أن يقول في سجوده: (سبحان ربي الأعلى وبحمده) ، وأما العبودية المشار إليها بقوله: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) . فالمراد بها إظهار التذلل، والتباعد عن طلب العز، وهي إشارة إلى فناء العبد ذاتا، ووصفا وذلك موجب لخلع القرب، والاصطفاء، والعز، والدنو المشار إليه بقوله (واسجد واقترب) . وبحديث: (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا) ، والنوافل عند أهل الطريق إشارة إلى فناء العبد في شهود نفسه عند شهود ربه عز وجل، وأما اليقين فهو من يقن الماء في الحوض إذا استقر، وذلك إشارة إلى حصول السكون، والاستقرار، والاطمئنان بزوال التردد، والشكو، والوهم، والظنون قال الشيخ محيي الدين رضي الله
Halaman 9