Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Penerbit
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Tahun Penerbitan
1315 هـ
بعضهم لا يكون الصوفي صوفيا حتى لا يكتب عليه صاحب الشمال ذنبا عشرين سنة ليس معنى ذلك أن لا يقع منه ذنب عشرين سنة وإنما معناه عدم الإصرار، وكلما أذنب تاب، واستغفر على الفور، وكان يقول: إذا رفعك إلى محل المحاضرة، والشهود المسلوب عن العلل فذاك مقام التعريف، والإيمان الحقيقي، وميدان تنزل أسرار الأزل، وإذا أنزلك إلى محل المجاهدة، والمكابدة فذاك مقام التكليف المقيد بالعلل، وهو الإسلام الحق وميدان تجلى حقائق الأبدية، والمحقق لا يبالي بأي صفة يكون، وقال في قوله تعالى: " قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " " يوسف: 108 " أي على معاينة تعاين لكل صنف طريقهم فيحملهم عليها، وعلى النيابة، وكان رضي الله عنه يقول: العارف لا دنيا له لأن دنياه لآخرته، وآخرته لربه وكان يقول الزاهد غريب في الدنيا لأن الآخر، وطنه، والعارف غريب في الآخرة فإنه عند الله تعالى ، ومعنى غربته في الدنيا قلة من يعينه على القيام بالحق، وقلة من يشاكله في القيام، وأما غربة العارف في الآخرة فإن سيره مع الله تعالى بلا أين، والمدار على محل يكون فيه القلب لا على محل يكون فيه الجسم كما أن الزاهد كذلك موطن قلبه في الدنيا إنما هو الآخرة فهي معشش روحه، ولولا ذلك لما صح له الزهد في الدنيا، وكان رضي الله عنه يقول العامة: إذا خوفوا خافوا، وإذا روحوا راحوا، والخاصة متى خوفوا راحوا ومتى روحوا خافوا، وكان رضي الله عنه يقول: كان الإنسان بعد أن لم يكن، وسيفني بعد أن كان، ومن كلا طرفيه عدم فهو عدم. قال ابن عطاء رضي الله عنه: أي أن الكائنات لا تثبت لها رتبة الوجود المطلق لأن الوجود الحق إنما هو لله، وله الأحذية، وأما العالم فالوجود له من عدمه، ومن كان كذلك فالعدم وصفه في نفسه، وكان من طريقته، وطريقة شيخه أبي الحسن الإعراض عن لبس الزي، والمرقعات لأن هذا اللباس ينادى على صاحبه أنا الفقير فأعطوني شيئا، وينادي على سر الفقير بالإفشاء فمن لبس الزي فقد ادعى. قلت: وليس مراد الشيخ أن يعيب على الفقراء لبس الزي، وإنما مراده أنه لا يلزم كل من كان له نصيب مما للقوم أن يلبس ملابس الفقراء فلا حرج على اللابس للخشن، ولا على اللابس للناعم إذا كان من المحسنين، والأعمال بالنيات، وكان يقول اختلف الناس في اشتقاق الصوفي، وأحسن ما قيل فيه إنه منسوب لفعل الله تعالى به أي صافاه الله تعالى فصوفي فسموه صوفيا، وكان يقول في قول عيسى عليه السلام: يا بني إسرائيل بحق أقول لكم لا يلج ملكوت السموات، والأرض من لم يولد مرتين أنا والله ممن ولد مرتين الإيلاد الأول إيلاد الطبيعة، والإيلاد الثاني إيلاد الروح في سماء المعارف، وكان يقول: لن يصل الولي إلى الله تعالى حتى ينقطع عنه شهوة الوصول إلى الله تعالى أي انقطاع أدب لا انقطاع ملل لغلبة التفويض على قلبه.
وكان رضي الله عنه يقول: إن الله تعالى جعل الآدمي ثلاثة أجزاء فلسانه جزء، وجوارحه جزء، وقلبه جزء، وطلب من كل جزء وفاء، فوفاء القلب أن لا يشتغل بهم رزق، ولا مكر، ولا خديعة، ولا حسد، ووفاء اللسان أن لا يغتاب، ولا يكذب ولا يتكلم فيما لا يعنيه ووفاء الجوارح أن لا يسارع بها قط إلى معصية، ولا يؤذي بها أحدا من المسلمين فمن وقع من قلبه فهو منافق، ومن وقع من لسانه فهو كافر، ومن وقع من جوارحه فهو غاص، وكان يقول: من اشترى من زيات زيتا فزاده البياع خيطا فدينه أرق من ذلك الخيط، ومن اشترى من فحام فحما فلما فرغ قال: زدني فحمة فقلبه أسود من تلك الفحمة، وكان رضي الله عنه يقول لا يدخل على الله تعالى إلا من بابين من باب الغني الأكبر، وهو الموت الطبيعي، ومن باب الغني الذي تعنيه هذه الطائفة، وكان يقول: الكائنات على أربعة أقسام جسم كثيف، وهو بمجرده جماد، وجسم لطيف، وهو بمجرده جان وروح شفاف، وهو بمجرده ملك، وسره غريب، وهو المعنى المسجود له فالآدمي صوره بظاهرها جماد وبوجود نفسه، وتحنيها وتشكلها جيان، وبوجود روحه ملك، وبإعطائه السر الغريب استحق أن يكون خليفة، وكان يقول: ليس العجب ممن تاه في نصف ميل أربعين سنة إنما العجب ممن تاه في مقدار شبر الستين والسبعين والثمانين سنة، وهي البطن، وكان يقول: للأولياء الإشراف على مقامات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما لهم الإحاطة بمقاماتهم، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يحيطون بمقامات الأولياء، وكان يقول
Halaman 16