Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Penerbit
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Tahun Penerbitan
1315 هـ
العجب بشيء من زينة الدنيا مقته الله تعالى حتى يفارق تلك الزينة، وكان يقول: يا معاشر المسلمين استحيوا من الله، فوالذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب إلى الغائط في الفضاء متقنعا استحياء من ربي عز وجل، وكان يقول: ليتني كنت شجرة تعضد ثم تؤكل، وكان يأخذ بطرف لسانه، ويقول: هذا الذي أوردني الموارد، وكان إذا سقط خطام ناقته ينيخها ويأخذه فيقال له: هلا أمرتنا فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني ألا أسأل الناس شيئا، وكان رضي الله عنه يقول للصحابة رضي الله عنهم: قد وليت أمركم، ولست بأخيركم فأعينوني فإذا رأيتموني استقمت، فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني، وغلب عليه الحزن، والخوف حتى كان يشم من فمه رائحة الكبد المشوي، توفي رضي الله عنه بين المغرب والعشاء ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة رضي الله تعالى عنه.
ومنهم الإمام عمر بن الخطاب
رضي الله تعالى عنه ورحمه
ويجتمع نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب، واتفقوا على أنه أول من سمي أمير المؤمنين، وأجمعوا على كثرة علمه، ووفور عقله، وفهمه، وزهده، وتواضعه، ورفقه بالمسلمين، وإنصافه ووقوفه مع الحق، وتعظيمه آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشدة متابعته له، ومحاسنه رضي الله تعالى عنه أكثر من أن تحصى، وكان رضي الله عنه لا يجمع في سماطه بين إدامين، وقدمت إليه حفصة رضي الله عنها مرقا باردا وصبت عليه زيتا فقال: إدامان في إناء واحد لا آكله حتى ألقى الله عز وجل، وكان في قميصه رضي الله عنه أربع رقاع بين كتفيه، وكان إزاره مرقوعا بقطعة من جراب، وعدوا مرة في قميصه أربع عشرة رقعة، إحداها من أدم أحمر، وكان يقول: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم، واستأذن رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذن له وقال: لا تنسنا يا أخي من دعائك، وفي رواية أشركنا في دعائك، وكان رضي الله عنه إذا وقع بالمسلمين أمر يكاد يهلك اهتماما بأمرهم.
وكان يأتي المجزرة ومعه الدرة فكل من رآه يشتري لحما يومين متتابعين يضربه بالدرة، ويقول له: هلا طويت بطنك لجارك وابن عمك، وأبطأ يوما عن الخروج لصلاة الجمعة، ثم خرج، فاعتذر إلى الناس، وقال: إنما حبسني عنكم ثوبي هذا كان يغسل وليس عندي غيره، وكان يقول: لولا خوف الحساب لأمرت بكبش يشوي لنا في التنور، وكان رضي الله عنه يشتهي الشهوة، وثمنها درهم فيؤخرها سنة كاملة، وكان يقول: من خاف من الله تعالى لم يشف غيظه، ومن يتق الله لم يضيع ما يريد، وصعد يوما إلى المنبر فقال: الحمد صلى الله عليه وسلم الذي صيرني ليس فوقي أحد، فقيل له: ما حملك على ما تقول؟ فقال إظهارا للشكر ثم نزل.
وحج رضي الله عنه من المدينة إلى مكة، فلم يضرب له فسطاط، ولا خباء حتى رجع، وكان إذا نزل يلقي له كساء، أو نطع على شجرة فيستظل بذلك، وكان رضي الله عنه أبيض يعلوه حمرة، وإنما صار في لونه سمرة في عام الرمادة، حين أكثر من أكل الزيت توسعة للناس أيام الغلاء، فترك لهم اللحم والسمن، واللبن، وكان قد حلف أن لا يأكل إداما غير الزيت حتى يوسع الله على المسلمين، ومكث الغلاء تسعة أشهر، وكانت الأرض قد صارت سوداء مثل الرماد، وكان يخرج يطوف على البيوت ويقول: من كان محتاجا فليأتنا، وكان رضي الله عنه يقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد صلى الله عليه وسلم على يدي، وكان في وجهه خطان أسودان من كثرة البكاء، وكان يمر بالآية في ورده فتخنقه العبرة، فيبكي حتى يسقط، ثم يلزم بيته حتى يعاد يحسبونه مريضا، وكان يسمع حنينه من وراء ثلاث صفوف، وكان رضي الله عنه يقول: ليتني كنت كبشا أهلي سمنوني ما بدا لهم ثم ذبحوني، فأكلوني وأخرجوني عذرة، ولم أكن بشرا.
ولما مرض كانت رأسه في حجر ولده عبد الله فقال له: يا ولدي ضع رأسي على الأرض فقال له عبد الله: وما عليك إن كانت على فخذي، أم على الأرض؟ فقال: ضعها على الأرض فوضع عبد الله رأسه على الأرض فقال: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي ثم قال رضي الله عنه: وددت أن أخرج من الدنيا، كما دخلت لا أجر لي، ولا وزر علي ثم قال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع، ولا مفرط، فلما مات رآه العباس رضي الله عنهما فقال له: كيف وجدت الأمير يا أمير المؤمنين؟ قال: كاد عرشي يهوي بي لولا أني وجدت ربا رحيما، وكان
Halaman 16