Lawamic Anwar
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Penerbit
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Nombor Edisi
الثانية-١٤٠٢ هـ
Tahun Penerbitan
١٩٨٢ م
Lokasi Penerbit
دمشق
[التَّعْرِيفُ الثاني تنازع الصحابة في كثير من الأحكام ولم يتنازعوا في مسائل الصفات]
(الثَّانِي)
اعْلَمْ أَنَّ الصَّحَابَةَ الْكِرَامَ قَدْ تَنَازَعُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ، وَهُمْ سَادَاتُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَكْمَلُ الْأُمَّةِ إِيمَانًا بِلَا انْفِصَامٍ، وَلَكِنْ بِحَمْدِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، بَلْ كُلُّهُمْ عَلَى إِثْبَاتِ مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، لَمْ يَسُومُوهَا تَأْوِيلًا، وَلَمْ يُحَرِّفُوهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا تَبْدِيلًا، وَلَمْ يُبْدُوا لِشَيْءٍ مِنْهَا إِبْطَالًا، وَلَا ضَرَبُوا لَهَا مِثَالًا، وَلَمْ يَدْفَعُوا عَنْ صُدُورِهَا وَأَعْجَازِهَا، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: يَجِبُ صَرْفُهَا عَنْ حَقَائِقِهَا، وَحَمْلُهَا عَلَى مَجَازِهَا. بَلْ تَلَقَّوْهَا بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ، وَقَابَلُوهَا بِالْإِيمَانِ وَالتَّعْظِيمِ، وَلَمْ يَفْعَلُوا كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ حَيْثُ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ، فَأَقَرُّوا بِبَعْضِ آيَاتِ الصِّفَاتِ، وَأَنْكَرُوا بَعْضَهَا مِنْ غَيْرِ فُرْقَانٍ مُبِينٍ، مَعَ أَنَّ اللَّازِمَ لَهُمْ فِيمَا أَنْكَرُوهُ كَاللَّازِمِ لَهُمْ فِيمَا أَقَرُّوا بِهِ وَأَثْبَتُوهُ، فَأَهْلُ الْإِيمَانِ إِذَا تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، رَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا رُتِّبَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ، فَكُلُّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ مَسَائِلِ الدِّينِ، دِقُّهُ وَجُلُّهُ، جَلِيُّهُ وَخَفِيُّهُ، رَدُّوهُ إِلَيْهِمَا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ بَيَانُ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ، لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِالرَّدِّ إِلَيْهِ، إِذْ مِنَ الْمُمْتَنِعُ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِالرَّدِّ عِنْدَ النِّزَاعِ إِلَى مَنْ لَا يُوجَدُ عِنْدَهُ فَصْلُ النِّزَاعِ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ إِلَى اللَّهِ هُوَ الرَّدُّ إِلَى كِتَابِهِ، وَالرَّدَّ إِلَى الرَّسُولِ ﷺ هُوَ الرَّدُّ إِلَيْهِ نَفْسُهُ فِي حَيَاتِهِ، وَإِلَى سُنَّتِهِ ﷺ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الرَّدَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ، فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَى الْإِيمَانُ ضَرُورَةً انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ، وَلَا سِيَّمَا التَّلَازُمِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّهُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْآخَرِ، وَقَدْ نَهَى الصِّدِّيقُ ثُمَّ الْفَارُوقُ وَمَنْ بَعْدَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ، حَتَّى قَالَ عُمَرُ ﵁: إِنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ أَعْدَاءُ السُّنَنِ، أَعْيَتْهُمُ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَعُوهَا، وَتَفَلَّتَتْ مِنْهُمْ أَنْ يَحْفَظُوهَا، فَقَالُوا فِي الدِّينِ بِرَأْيِهِمْ، فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا. وَقَالَ ﵁: أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهِمُوا الرَّأْيَ فِي الدِّينِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لَأَرُدُّ أَمْرَ رَسُولِ
1 / 6