347

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Penerbit

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Edisi

الثانية

Tahun Penerbitan

1402 AH

Lokasi Penerbit

دمشق

Genre-genre
Hanbali
Wilayah-wilayah
Syria
Palestin
فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» " قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ -: ظَنَّ طَوَائِفُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ آدَمَ أَحَجَّ بِالْقَدَرِ عَلَى الذَّنْبِ، وَأَنَّهُ حَجَّ مُوسَى بِذَلِكَ، فَطَائِفَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ التَّحْقِيقَ وَالْعِرْفَانَ، يَحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى الذُّنُوبِ، مُسْتَدِلِّينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَطَائِفَةٌ يَقُولُونَ: الِاحْتِجَاجُ بِهِ سَائِغٌ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي الدُّنْيَا، وَطَائِفَةٌ يَقُولُونَ: هُوَ حُجَّةٌ لِلْخَاصَّةِ الْمُشَاهِدِينَ لِلْقَدَرِ دُونَ الْعَامَّةِ، وَطَائِفَةٌ كَذَّبَتْ بِهِ كَالْجُبَّائِيِّ وَغَيْرِهِ، وَطَائِفَةٌ تَأَوَّلَتْهُ تَأْوِيلَاتٍ فَاسِدَةً، مِثْلَ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إِنَّمَا حَجَّهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ تَابَ، وَقَوْلٌ آخَرُ: كَانَ أَبَاهُ، وَالِابْنُ لَا يَلُومُ أَبَاهُ، وَقَوْلٌ آخَرُ: كَانَ الذَّنْبُ فِي شَرِيعَةٍ، وَاللَّوْمُ فِي أُخْرَى، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ تَعْرِيجٌ عَنْ مَقْصُودِ الْحَدِيثِ.
وَظَاهِرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَمِنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ - أَنَّ آدَمَ إِنَّمَا حَجَّ مُوسَى ﵉ لِكَوْنِهِ قَدْ كَانَ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ الصُّورِيِّ، وَاسْتَسْلَمَ لِلْمُصِيبَةِ الَّتِي لَحِقَتِ الذُّرِّيَّةَ بِسَبَبِ أَكْلِهِ الْمُقَدَّرَ عَلَيْهِ، فَالْحَدِيثُ تَضَمَّنَ التَّسْلِيمَ لِلْقَدَرِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ لَا عِنْدَ الذُّنُوبِ، وَالْمَعَايِبِ، فَيَصْبِرُ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَيَسْتَغْفِرُ مِنَ الذُّنُوبِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [غافر: ٥٥] وَقَالَ - تَعَالَى -: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: ١١] قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ ﵁ يَقُولُ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ.
فَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ وَالرِّضَا بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْمَصَائِبِ، وَالتَّسْلِيمُ لِذَلِكَ هُوَ مِنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ، وَأَمَّا الذُّنُوبُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى فِعْلِهَا بِقَدَرِ اللَّهِ - تَعَالَى -، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَهَا، وَإِذَا فَعَلَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ مِنْهَا كَمَا فَعَلَ آدَمُ ﵇. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ: قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -: مُوسَى قَالَ: لِمَاذَا أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ، فَلَامَهُ عَلَى الْمُصِيبَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِسَبَبِ فِعْلِهِ، لَا لِأَجْلِ كَوْنِهَا ذَنْبًا ; وَلِهَذَا احْتَجَّ عَلَيْهِ آدَمُ ﵇ بِالْقَدَرِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لِأَجْلِ الذَّنْبِ كَمَا يَظُنُّهُ طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ، فَلَيْسَ مُرَادًا بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّ آدَمَ ﵇ كَانَ قَدْ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ، وَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَوْمُ التَّائِبِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، قَالَ: وَلِأَنَّ آدَمَ ﵇ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِالْقَدَرِ عَلَى الذَّنْبِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَسَائِرِ الْعُقَلَاءِ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَيْضًا

1 / 347