Lawamic Anwar
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Penerbit
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Edisi
الثانية
Tahun Penerbitan
1402 AH
Lokasi Penerbit
دمشق
Genre-genre
Akidah dan Kepercayaan
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ﴾ [الأعراف: ٣٠] وَنَظَائِرُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ «مِنْ غَيْرِمَا» زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ «اضْطِرَارٍ» افْتِعَالٌ مِنَ الضُّرِّ، وَأَصِلُهُ مُضْتَرِرٌ، فَأُدْغِمَتِ الرَّاءُ، وَقُلِبَتِ التَّاءُ طَاءً لِأَجْلِ الضَّادِ، أَيْ مِنْ غَيْرِ إِلْجَاءٍ وَجَبْرٍ وَإِكْرَاهٍ، فَالْحَقُّ ﷾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ، وَصَرَفَهُ فِي مَا شَاءَ مِنْ تَوْبَةٍ وَإِصْرَارٍ وَحَوْبَةٍ وَاسْتِغْفَارٍ، وَثَنَى عِنَانَهُ إِلَى مُرَادَاتِهِ بِقُوَّةٍ وَاقْتِدَارٍ، مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ وَلَا إِجْبَارٍ وَلَا اضْطِهَادٍ وَلَا اضْطِرَارٍ، بَلْ خَلَقَ لَهُ قُدْرَةً وَنَوْعَ اخْتِيَارٍ فَيَفْعَلُ الْفِعْلَ وَيُوقِعُهُ بِإِذْنِ الْقَادِرِ الْجَبَّارِ، وَقَوْلُهُ: «مِنْهُ» أَيْ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - «لَنَا» - مَعْشَرَ الْعِبَادِ، بَلْ خَلَقَ فِينَا قُدْرَةً، وَأَقْدَرَنَا عَلَى إِيقَاعِ أَفْعَالِنَا بِالْإِذْنِ مِنْهُ، وَالتَّمْكِينِ لَنَا مِنَ التَّوَصُّلِ إِلَى امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ، وَالِانْكِفَافِ عَنْ مَوَاقِعِ الزَّوَاجِرِ، فَلِقُدْرَةِ الْعَبْدِ تَأْثِيرٌ فِي إِيجَادِ فِعْلِهِ لَا بِالِاسْتِقْلَالِ، وَالِاسْتِبْدَادِ، بَلْ بِالْإِعَانَةِ، وَالْإِذْنِ، وَالتَّمْكِينِ مِنَ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الْجَوَادِ «فَافْهَمْ» فَهْمَ إِذْعَانٍ وَتَحْقِيقٍ وَتَحْرِيرٍ وَتَدْقِيقٍ، يُقَالُ: فَهِمَ الشَّيْءَ إِذَا عَلِمَهُ وَعَرَفَهُ بِقَلْبِهِ «وَلَا تُمَارِ» فِي عِلْمِكَ وَلَا تُجَارِ فِي فَهْمِكَ، بَلْ كُنْ مَعَ الْحَقِّ حَيْثُ كَانَ، وَلَا تَغْتَرَّ بِنُحَاتَةِ الْأَفْهَامِ وَزُبَالَةِ الْأَذْهَانِ، فَمَا ثَمَّ إِلَّا النَّصُّ الصَّرِيحُ وَالنَّقْلُ الصَّحِيحُ دُونَ الْمِحَالِ، وَمَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ، فَلَا تَكُونُ إِمَّعَةً فِي هَذَا الْبَابِ، وَتَخْلُدُ إِلَى الدَّعَةِ؛ فَيَحِيقُ بِكَ الْعَذَابُ، وَالْمِرَاءُ الْجِدَالُ، وَالْمُمَارَاةُ الْمُجَادَلَةُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّكِّ، وَالرِّيبَةِ، وَيُقَالُ لِلْمُنَاظَرَةِ مُمَارَاةٌ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْتَخْرِجُ مَا عِنْدَ صَاحِبِهِ وَيَمْتَرِيهِ، كَمَا يَمْتَرِي الْحَالِبُ اللَّبَنَ مِنَ الضَّرْعِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: " «الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ» " وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ﵁. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: قِيلَ أَرَادَ الْمِرَاءَ وَالْجِدَالَ فِي الْآيَاتِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الْقَدَرُ وَنَحْوُهُ مِنَ الْمَعَانِي عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَأَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ وَالْآرَاءِ، دُونَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ وَأَبْوَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ
1 / 296