271

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Penerbit

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Nombor Edisi

الثانية

Tahun Penerbitan

1402 AH

Lokasi Penerbit

دمشق

[تَنْبِيهَاتٌ]
[التنبيه الأول في التقليد ثلاثة أقوال أو أربعة]
الْأَوَّلُ: فِي مَسْأَلَةِ التَّقْلِيدِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، (أَوَّلُهَا) النَّظَرُ وَاجِبٌ، وَقَدْ نَقَلْنَاهُ عَمَّنْ مَرَّ النَّقْلُ عَنْهُمْ، وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ.
(الثَّانِي) لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالتَّقْلِيدُ جَائِزٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا كَلَامَ الْعَنْبَرِيِّ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ.
(الثَّالِثُ) التَّقْلِيدُ حَرَامٌ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَمَعَ إِثْمِهِ بِتَرْكِ النَّظَرِ، فَإِيمَانُهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ فُهِمَ كُلُّ هَذَا مِمَّا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا.
وَثَمَّ قَوْلٌ (رَابِعٌ) وَهُوَ أَنَّ النَّظَرَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي الشُّبَهِ وَالضَّلَالِ لِاخْتِلَافِ الْأَذْهَانِ بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ، فَيَجِبُ بِأَنْ يَجْزِمَ الْمُكَلَّفُ عَقْدَهُ بِمَا يَأْتِي بِهِ الشَّرْعُ مِنَ الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ، وَلَكِنْ قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ، وَإِنْ سُمِّيَ تَقْلِيدًا فَمَجَازٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ﵁: وَمَنْ قَلَّدَ الْخَبَرَ رَجَوْتُ أَنْ يَسْلَمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ «فَيْصَلُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالزَّنْدَقَةِ): مَنْ ظَنَّ أَنَّ مَدْرَكَ الْإِيمَانِ الْكَلَامُ وَالْأَدِلَّةُ الْمُحَرَّرَةُ وَالتَّقْسِيمَاتُ الْمُرَتَّبَةُ فَقَدْ أَبْعَدَ، لَا بَلِ الْإِيمَانُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ عَطِيَّةً وَهَدِيَّةً مِنْ عِنْدِهِ، تَارَةً بِتَنْبِيهٍ فِي الْبَاطِنِ لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ، وَتَارَةً بِسَبَبِ رُؤْيَا فِي الْمَنَامِ، وَتَارَةً بِقَرِينَةِ حَالِ رَجُلٍ مُتَدَيِّنٍ وَسِرَايَةِ نُورِهِ إِلَيْهِ عِنْدَ صُحْبَتِهِ وَمُجَالَسَتِهِ، وَتَارَةً بِقَرِينَةِ حَالٍ، «فَقَدْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ جَاحِدًا لَهُ مُنْكِرًا، فَلَمَّا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى طَلْعَتِهِ الْبَهِيَّةِ، وَغُرَّتِهِ الْفَرِيدَةِ، فَرَآهَا يَتَلَأْلَأُ مِنْهَا نُورُ النُّبُوَّةِ. قَالَ: وَاللَّهِ مَا هَذَا وَجْهُ كَذَّابٍ، وَسَأَلَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمَ» .
«وَجَاءَ آخَرُ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ، آللَّهُ بَعَثَكَ نَبِيًّا؟ فَقَالَ " بَلَى وَاللَّهِ، اللَّهُ بَعَثَنِي نَبِيًّا " فَصَدَّقَهُ بِيَمِينِهِ وَأَسْلَمَ» . وَأَمْثَالُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَلَمْ يَشْتَغِلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَطُّ بِكَلَامٍ وَتَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ، بَلْ كَانَ يَبْدُو نُورُ الْإِيمَانِ أَوَّلًا بِمِثْلِ هَذِهِ الْقَرَائِنِ فِي قُلُوبِهِمْ لَمْعَةً بَيْضَاءَ ثُمَّ لَا يَزَالُ يَزْدَادُ وُضُوحًا وَإِشْرَاقًا بِمُشَاهَدَةِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْعَظِيمَةِ، وَبِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَتَصْفِيَةِ الْقُلُوبِ - إِلَى أَنْ قَالَ: وَالْحَقُّ الصَّرِيحُ أَنَّ كُلَّ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَاشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ حَقٌّ، اعْتِقَادًا جَازِمًا، فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَدِلَّتَهُ.
قَالَ: فَالْإِيمَانُ الْمُسْتَفَادُ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْكَلَامِيَّةِ ضَعِيفٌ جِدًّا، مُشْرِفٌ عَلَى التَّزَلْزُلِ بِكُلِّ شُبْهَةٍ، انْتَهَى

1 / 271