158

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Penerbit

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Nombor Edisi

الثانية

Tahun Penerbitan

1402 AH

Lokasi Penerbit

دمشق

وَتَكَثَّرَتْ، أَمَّا وُجُوبُ عُمُومِ تَعَلُّقِهِ سَمْعًا فَمِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢]- ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [سبأ: ٣]- ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: ١٩]- ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [البقرة: ٧٧] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ.
وَأَمَّا وُجُوبُ ذَلِكَ عَقْلًا فَلِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْعَالِمِيَّةِ هُوَ الذَّاتُ، إِمَّا بِوَاسِطَةِ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الصِّفَاتِيَّةِ وَالسَّلَفِ، وَهُوَ الْحَقُّ، أَوْ بِدُونِهَا عَلَى مَا هُوَ رَأْيُ النُّفَاةِ، وَالْمُقْتَضِي لِلْمَعْلُومِيَّةِ إِمْكَانُهَا، وَنِسْبَةُ الذَّاتِ إِلَى الْكُلِّ عَلَى السَّوَاءِ، فَلَوِ اخْتَصَّتْ عَالِمِيَّتُهُ بِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ لَكَانَ ذَلِكَ بِمُخَصِّصٍ، وَهُوَ مُحَالٌ لِامْتِنَاعِ احْتِيَاجِ الْوَاجِبِ فِي صِفَاتِهِ وَسَائِرِ كَمَالَاتِهِ إِلَى التَّخْصِيصِ لِمُنَافَاتِهِ لِوُجُوبِ الْوُجُودِ، وَالْغِنَى الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا وُجُوبُ وَحْدَتِهِ فَلِأَنَّ النَّاسَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا انْحَصَرُوا فِي فَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَثَبَتَ الْعِلْمَ الْقَدِيمَ مَعَ وَحْدَتِهِ، وَالْآخَرُ نَفَاهُ، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى تَعَدُّدِ عُلُومٍ قَدِيمَةٍ أَحَدٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ إِلَّا أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ حَيْثُ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ عُلُومًا لَا نِهَايَةَ لَهَا كَمَا أَنَّ مُتَعَلِّقَاتِهَا كَذَلِكَ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ السَّابِقِ لِمَقَالَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ بِوَحْدَةِ الْعِلْمِ مَعَ كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا بِمَا كَانَ، وَبِمَا سَيَكُونُ، وَبِالْكَائِنِ، وَالْعِلْمِ بِذَلِكَ كَذَلِكَ مُتَغَايِرٌ؟ . فَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَارِيَ جَلَّ شَأْنُهُ فِي أَزَلِهِ يَتَعَلَّقُ عِلْمُهُ بِوُجُودِ الشَّيْءِ مُضَافًا إِلَى مَحَلِّهِ الْمُعَيَّنِ فَالْمُضِيُّ وَالْحَالُ وَالِاسْتِقْبَالُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَخْبَارِ عَنْ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ تَعَالَى، لَا ظُرُوفَ لِلْعِلْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَمَانِيٍّ حَتَّى يُوصَفَ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ.
وَمَنْشَأُ الشُّبْهَةِ مِنْ حَيْثُ الْإِخْبَارِ عَنْ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ الْمَخْصُوصِ بِالْقَوْلِ اللَّفْظِيِّ، فَإِنْ تَقَدَّمَ زَمَنُ الْإِخْبَارِ عَنْهُ عَلَى زَمَنِ وُجُودِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، سُمِّيَ الْإِخْبَارُ مُسْتَقْبَلًا، وَإِنْ تَأَخَّرَ سُمِّيَ مَاضِيًا، وَإِنْ قَارَنَ سُمِّيَ حَالًا، فَهِيَ مُسَمَّيَاتٌ تَعْرِضُ بِاعْتِبَارِ الْإِخْبَارِ عَنْهُ.
أَمَّا تَعَلُّقُ الْعِلْمِ بِوُجُودِهِ فِي الزَّمَانِ الْمُعَيَّنِ فَشَيْءٌ وَاحِدٌ. وَبَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ جَعَلَ لِلْعِلْمِ تَعَلُّقَيْنِ: أَزَلِيٌّ، وَتَنْجِيزِيٌّ كَالْقُدْرَةِ وَالْإِدَارَةِ، وَقَالَ: وَتَكُونُ تِلْكَ الْإِخْبَارَاتُ رَاجِعَةً لِلتَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ.
قُلْتُ: وَمَذْهَبُ السَّلَفِ بِمَعْزِلٍ عَمَّا يُرَادُ مِنْ هَذَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِيمٌ، وَصِفَاتُهُ قَدِيمَةٌ، وَأَفْعَالُهُ قَدِيمَةٌ، وَمَا يُتَخَيَّلُ لِلْعَقْلِ مِنْ أَنْوَاعِ التَّغَيُّرَاتِ وَالتَّخَالُفَاتِ نِسَبٌ وَإِضَافَاتٌ بِالنِّسْبَةِ لِإِدْرَاكَاتِنَا، وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

1 / 158