108

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Penerbit

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Nombor Edisi

الثانية

Tahun Penerbitan

1402 AH

Lokasi Penerbit

دمشق

[التنبيه الثالث ذم الخوض في الكلام] - الثَّالِثُ - قَدْ ذَمَّ السَّلَفُ الصَّالِحُ الْخَوْضَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَالتَّقَصِّيَ وَالتَّدْقِيقَ فِيمَا زَعَمُوا أَنَّهُ قَضَايَا بُرْهَانِيَّةٌ، وَحُجَجٌ قَطْعِيَّةٌ يَقِينِيَّةٌ، وَقَدْ شَحَنُوا ذَلِكَ بِالْقَضَايَا الْمَنْطِقِيَّةِ، وَالْمَدَارِكِ الْفَلْسَفِيَّةِ، وَالتَّخَيُّلَاتِ الْكَشْفِيَّةِ، وَالْمَبَاحِثِ الْقِرْمِطِيَّةِ. وَكَانَ أَئِمَّةُ الدِّينِ مِثْلَ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَالْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، وَبِشْرٍ الْحَافِي، يُبَالِغُونَ فِي ذَمِّ الْكَلَامِ وَفِي ذَمِّ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَتَضْلِيلِهِ، حَتَّى أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ خَامِسَ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ قَالَ يَوْمًا: بَلَغَنِي أَنَّ بِشْرًا الْمَرِيسِيَّ يَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، وَلِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ أَظْفَرَنِي بِهِ اللَّهُ لَأَقْتُلَنَّهُ قِتْلَةً مَا قَتَلْتُهَا أَحَدًا. فَأَقَامَ بِشْرٌ مُتَوَارِيًا أَيَّامَ الرَّشِيدِ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ فُورَكٍ، وَيَذْكُرُهَا الرَّازِيُّ فِي (تَأْسِيسِ التَّقْدِيسِ)، وَيُوجَدُ مِنْهَا فِي كَلَامِ غَالِبِ الْمُتَكَلِّمَةِ مِنَ الْجَبَّائِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ، هِيَ بِعَيْنِهَا التَّأْوِيلَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الدَّارِمِيُّ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ أَحَدُ مَشَاهِيرِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ فِي زَمَنِ الْبُخَارِيِّ فِي الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ (رَدُّ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَلَى الْكَاذِبِ الْعَنِيدِ فِيمَا افْتَرَى عَلَى اللَّهِ مِنَ التَّوْحِيدِ)، فَحَكَى هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ بِأَعْيَانِهَا عَنْ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ بِكَلَامٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرِيسِيَّ أَقْعَدُ بِهَا وَأَعْلَمُ بِالْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ اتَّصَلَتْ إِلَيْهِمْ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَئِمَّةُ الْهُدَى عَلَى ذَمِّ الْمَرِيسِيَّةِ، وَأَكْثَرُهُمْ كَفَّرُوهُمْ وَضَلَّلُوهُمْ، وَذَمُّوا الْكَلَامَ وَأَهْلَهُ بِعِبَارَاتٍ رَادِعَةٍ، وَكَلِمَاتٍ جَامِعَةٍ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ (الْحُجَّةِ عَلَى تَارِكِ الْمَحَجَّةِ) بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا ارْتَدَى بِالْكَلَامِ فَأَفْلَحَ. وَلَمَّا كَلَّمَهُ حَفْصٌ الْفَرْدُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، قَالَ: لَأَنْ يُبْتَلَى الْعَبْدُ بِكُلِّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ خَلَا الشِّرْكَ بِاللَّهِ ﷿، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُبْتَلَى بِالْكَلَامِ. وَقَالَ: حُكْمِي فِي أَصْحَابِ الْكَلَامِ أَنْ يُصْفَعُوا وَيُنَادَى بِهِمْ فِي الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ، وَأَخَذَ فِي الْكَلَامِ. وَقَالَ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَلَيْكُمْ بِالسُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَمَا يَنْفَعُكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالْخَوْضَ وَالْمِرَاءَ، فَإِنَّهُ لَا يُفْلِحُ مَنْ أَحَبَّ الْكَلَامَ. وَقَالَ

1 / 108