فسمع في رحلته هذه من كبار المشايخ والعلماء وأجازه غير واحد منهم فاكتسب بذلك علمًا غزيرًا حتى صار يذاكر بعض شيوخه في مسائل في المذهب الحنبلي وهو إذ ذاك ابن تسع عشرة سنة، ومن ذلك ما يرويه حين رحل إلى الشيخ أبى التقى عبد القادر بن عمر التغلبي سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف قال ﵀: وذاكرته في عدة مباحث من شرحه على الدليل -أي دليل الطالب- فمنها ما رجع عنها، ومنها ما لم يرجع لوجود الأصول التي نقل منها.
وكانت إجازة الشيخ -المذكور- لنا سنة خمس وثلاثين (١).
وهذا يدل على سرعة استيعابه وحفظه وقوة فهمه وتبحره في المذهب الحنبلي مما جعل بعض شيوخه يقربه إليه ويجله حتى كان يحضره مجالس العلماء والفقهاء، قال ﵀ عن شيخه أحمد الغزي وكان يقدمني ويجلني، وكان له يوم في الأسبوع يحضره العلماء والمدرسون من سائر المذاهب وكان يجلسني مع كبارهم مع أنى يومئذٍ من الطلبة فكنت أحتشم من كوني أجلس مع أشياخي أو فوقهم ولكن لا بد من امتثال أمره وكان مهابا جدًا وإذا بدأ ما يسأل عنه في المذهب الحنبلي سألني مع حضور أشياخي: الشيخ مصطفى اللبدي أمين فتوى المذهب الحنبلي والشيخ محمد بن الشيخ عبد الجليل أبي المواهب مفتي السادة الحنابلة فأجيبه ثم اعتذر بعد انفضاض المجلس، فيقول الشيخ مصطفى: هذا من مفاخري أن يجيب تلميذي في مثل هذه المحافل" (٢).
ثم حج بمد ذلك في سنة ١١٤٨ هـ وفي خلال سفره للحج زار المدينة المنورة والتقى فيها بالشيخ الحافظ محمد حياة السندي فسمع منه الحديث المسلسل بالأولية
_________
(١) انظر مقدمة كتاب "مختصر لوامع الأنوار البهية" لابن سلوم ص (ج).
(٢) انظر المرجع السابق ص (د)، (هـ).
1 / 30