بالك بعصرنا هذا الذي نحن فيه -وهو في المائة الثانية عشرة- وقد انطمست معالم الدين وطفئت إلا من بقايا حفظة الدين فصارت السنة بدعة والبدعة شرعة والعبادة عادة والعادة عبادة، فعالمهم عاكف على شهواته، وحاكمهم متمادي في غفلاته، وأميرهم لا حلم لديه ولا دين، وغنيهم لا رأفة عنده ولا رحمة للمساكين، وفقيرهم متكبر، وغنيهم متجبر" ثم قال:
مطلب متصوفة زماننا وما يفعلونه من المنكرات
فلو رأيت جموع صوفية زماننا وقد أوقدوا النيران واحضروا آلات المعازف بالدفوف المجلجلة والطبول والنايات والشّباب (١) وقاموا على أقدامهم يرقصون ويتمايلون لقضيت بأنهم فرقة من بقية أصحاب السامري وهم على عبادة عجلهم يعكفون أو حضرت مجمعا وقد حضره العلماء بعمائمهم الكبار والفراء المثمنة والهيئات المستحسنة وقدموا نصاب الدخان التي هي لجامات الشيطان وقد ابتدر ذو نغمة ينشد من الأشعار المهيجة فوصف الخدود والنهود والقدود وقد أرخى القوم رؤوسهم ونكسوها واستمعوا للنغمة واستأنسوها لقلت وهم لذلك مطرقون ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون (٢).
وفي خضم هذا الفساد الإعتقادي والإبتعاد عن كتاب اللَّه وسنة النبي ﷺ الذي ساد العالم في القرن الثاني عشر قيض اللَّه من يصحح لهذه الأمة عقيدتها وسلوكها ومن بين هؤلاء الذين حملوا لواء الإصلاح الشيخ محمد السفاريني في بلاد الشام.
ومن أبرز مظاهر تغييره للأوضاع الإعتقادية السائدة تأليفه في العقيدة السلفية
_________
(١) الشّبَاب: جمع شبَّابه بتشديد الباء نوع من المزمار.
(٢) غذاء الألباب (٢/ ٣١٤ - ٣١٥).
1 / 19