قال ابن حيان: وهذه أسماء لا طائل تحتها، وانحل النظام، وقل الدرهم، وتفرقت الأجناد لعدم الكفاية، وحصل التفرق إلى ما يقبح من أمر الرعية. وكان قد أحضر جماعة من وزرائه فلما حصلوا عنده قبض عليهم، وصادرهم على أموال التزموها، وطالبهم، وكان قد أقام شخصًا اسمه نجاح الضاغط فطالبهم، وكان قد تقاعد أكثر أهل الأندلس عن مبايعته ومطلوا بها. وكان من أصحابه رجل يعرف بكر ابن محمد المشاط الرعيني فكان من أسباب هلاكه. وكان قد ورد عليه فوارس من البربر، فأنزلهم معه في دار الملك، فهاج لذلك المسلون العامة والخاصة، وقالوا نحن طردنا البربر عن قرطبة وهذا الرجل يردهم إلينا وعليهم منا، فوثبوا عليه وقتلوا البربر حيث وجدوا.
ولم يشعر عبد الرحمن إلا بالرجال قد علوا سقف القصر، وسمع المسجونون بذلك فاستغاثوا، ووقع الاختلاط بالحرم، وأحيط بعبد الرحمن من كل جهة، فعلم أنه مقتول. واستغاث بالوزراء فما قدروا على إغاثته، وشغلوا بنفوسهم ودخلت الرجال عليه. وكان قد ركب لينجو وقصد موضعًا للخروج منه فوجده قد ملك عليه، فترجل عن فرسه وتجرد من ثيابه، واستخف حتى بقي في قميص، واختفى في تنور حمام، واستخفى البربر في الحمام وعثر عليهم فقتلوا وكان جماعة منهم بالجامع فقتلوا فيه. وفضح حريم عبد الرحمن وسبي أكثرهن وجرى عليهم ما لم يجر على حريم سلطان. ثم ظهر ابن عمه محمد ابن عبد الرحمن ابن عبيد الله بن الناصر، وحمل إلى دار الملك بعد ضربها فأجلس في بعض مجالسها مدهوشًا. وافتقد عبد الرحمن المستظهر فوجده في آتون الحمام، فأخرج في قميص مسود بالرماد على أقبح الأحوال. فجيء به إلى محمد بن عبد الرحمن القائم بعده في الثالث من ذي القعدة سنة أربع عشرة وأربعمائة فطبش به بعض الرجال القائمين على رأسه، فتهلل وجه عبد الرحمن المستكفي، وشرع في تدبير سلطانه. فكانت إمارة المستظهر إلى أن قتل ستة وأربعين يومًا، لم يمتثل له أمر، ولم تتجاوز دعوته قرطبة. وكانت سنه ثلاثًا وعشرين سنة. وكان فاضلًا عفيفًا متحرجًا به ختم فضلاء أهل بيته.
فصل فيما يتعلق بعلي بن حمود وإمارته
قال أبو مروان هو علي بن حمود بن ميمون بن حمود بن علي بن عبد الله ابن عمرو بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم. وذكر العيني أن نفرا من ولد إدريس بن عبد الله بن حسن أيام طلبه للرشيد وحبسه عند جعفر بن يحيى، فروا إلى المغرب فوقفوا ببلاد أفريقية. ثم انحازوا إلى طرف من بلاد العرب فنكحوا إليهم وتبربروا معهم، وعقبهم إلى اليوم هناك. قال ابن حيان وبويع علي بن حمود على باب السدة من قصر قرطبة يومك الاثنين لسبع بقين من المحرم سنة أربع وأربعمائة، ثاني اليوم الذي أدرك فيه ثأر هشام المؤيد ولم يتخلف أحد عن بيعته.
ويسمى بالناصر لدين الله، وهو اسم سبقه إليه بالمشرق أبو أحمد ابن المتوكل العباسي، وتبعه فيه عبد الرحمن بن محمد صاحب الأندلس. ولما صارت إليه الخلافة أظهر من القهر والغلبة والإرهاب ما ملأ به القلوب وكف به عادية برابرة العسكر وقادهم قود الإبل المخطومة، وأجرى عليهم الأحكام الشرعية التي كانوا ممتنعين منها، وجلس للنظر في مظالم الناس مرفوع الحجاب للصادر والوارد. ويقيم الحدود على الكبير كما يقيمها على الصغير! فأمنت السبل ورخت الأسعار وانبسطت الآمال وكثر النسل، لأنهم كانوا قد امتنعوا من التزويج لشدة ما كانوا فيه.
1 / 71