اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح
تأليف
الإمام شمس الدين البرماوي أبي عبد الله محمد بن موسى النعيمي العسقلاني المصري الشافعي
(المولود في مصر سنة ٧٦٣ هـ والمتوفى في القدس سنة ٨٣٧ هـ) رحمه الله تعالى
تحقيق ودراسة
لجنة مختصة من المحققين
بإشراف
نور الدين طالب
دار النوادر
Halaman tidak diketahui
مَوْسُوْعَةُ شُرُوْحِ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ
المُشْرِفُ الْعَام
نُوْرُ الدِّين طَالِب
اللجنةُ العلميةُ الَّتِي شَارَكَتْ فِي تَحْقِيق هَذَا الْكتابِ
مُحَمَّد خَلُّوف العَبْد الله
عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد الكشك
مُحَمَّد رشاد شمس
ياسِيْن عَبد الله جمول
مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن الْخَطِيب
مقدمة / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة التحقيق
الحمدُ للهِ مُنْزِلِ الشرائع والأحكام، وجاعل سُنَّة نبيِّهِ ﷺ مبيِّنةً للحلال والحرام، والهادي مَن اتَّبعَ رضوانَه سُبُل السَّلام.
وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادة تحقيقٍ على الدوام.
وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، أرسلَه رحمةً للأنام، وعلى آله وصحبِه الكرام.
أمّا بعد:
فإنَّ الأمةَ مجمعةٌ على أنَّ الأخبارَ التي اشتملَ عليها صحيحا الإمامين البخاريِّ ومسلمٍ مقطوع بصحَّةِ أصولها ومتُونها؛ إذ سَبَرَ هذانِ الإمامانِ مِنْ هذا الأمرِ ما لم يَسْبُرْ غيرُهما، واسْتَبْكَراه فَجَلَّيَا للنَّاس ما عَرَفَاهُ، وألغَيا ما استَنْكَراه، وليس لغيرِهما ما لهما مِنَ السَّبْقِ في ذلك، سَبَقَ إليه البخاريّ وصلَّى مسلمٌ، ومَنْ قال لك: إنَّ مثلِّثًا تلاهما فلا تصدِّقه (١).
_________
(١) انظر: "جامع الصحيحين" لأبي نعيم الحداد (١/ ٨).
مقدمة / 5
ثم إنَّ جمهورَ الأمةِ على تقديمِ صحيحِ البخاريّ على مسلمٍ؛ فَقَدْ جَزَمَ الراوونَ بعذُوبةِ موارِدِهِ، وقَطَعَ الشارِحُونَ بصحَّةِ مطالبِهِ ومَقَاصِدِه، فكانَ كتابُه أصحَّ كتابٍ جَمَعَ فيه الوحيَ بعدَ القرآن فَأَوعى، وشادَ مَبَانيه فأجادَ فيه صُنْعا، فعَمَّ فضلُه الأمصارَ على توالي الأَعْصار، وَنَعتَهُ أعلامُ الدِّينِ بأنه بَحْرٌ لا يُدْرَكُ له قَرار.
فلله درُّه مِنْ تأليف، ويا لَه مِنْ تصنيف، تَهفُو له قلوبُ المقتفينَ إذا تُليت أخبارُه وتخشع، فالمؤلَّف بَحْر، والمؤلِّف حَبْر، وللقارئ رِبْح.
فمَنْ ظَفِرِ بهذا الصَّحيح سَجَدَ لله تعالى شُكْرًا على إيجاد مثلِ هذا الكتابِ لهذا الإمام؛ اعترافًا بفَضْلِهِ على أمَّةِ الإسلام.
ومِنْ هُنا كَثُرت العنايةُ بهذا الكتاب العظيم، وتنوَّعت الشروحُ والتعليقاتُ عليه بَدْءًا من المئةِ الرَّابعة للهجرة حتى عَصْرِنا هذا، إذ ناهزتِ الكتبُ التي دارتْ حولَ أحاديثه الخمسَ مئةِ كتابٍ ما بين شارحٍ لمفرداتِه وغريِبه، ومُعْرِبًا لِمَا اعْتَاصَ من كلماته، وواصلًا لتعليقاتِه، ومُتَرْجِمًا لرجالاته، وموضحًا لمُبهماته، ومُبيِّنًا لتراجمه واستنباطاته إلى غيرِ ذلك من أنواع العناية به.
وقد امتازَ كثيرٌ من الشُّروح بالفوائد والعوائد التي لا توجد في الشروح الأخرى، وقلَّ شرحٌ منها يخلو عَنْ فائدةٍ عزيزةٍ، أو تنبيهٍ مُهم، أو استنباطٍ مَليح، أو إرشادٍ بَليغ، إذ إنَّ هذا الكتاب -كما يقول المحقِّقون- لم يَسْتَصْبحْ أحدٌ سِراجَه، ولا استوضحَ سبيلَه ومنهاجَه، بل هو دُرَّةٌ لم تُثْقَب، ومُهْرَةٌ لم تُرْكَب.
مقدمة / 6
ومِنْ هنا عُنينا بشروح هذا السِّفر الجليل عنايةً خاصةً في مشروعنا "موسوعة شروح السنَّة النبوية" التي نسأل اللهَ تعالى أنْ يكتبَ لها القَبولَ والتَّمام، وأنْ يوفِّقنا لإصدارها كما أرادَها مؤلِّفوها أنْ تَخْرُجَ لأهل الإسلام، إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
وقد تناولنا في تحقيِقنا جملةً من الشُّروح النَّفيسة التي لم تَر النورَ بعد، وأَلفينا فيها علومًا جَمَّة لا يستغني عنها مَنْ تَشَرَّب لِبانَ السنَّةِ النَّبويةِ وحَرَصَ على أخذها روايةً ودِرايةً.
ومن بين تلكَ الشُّروحِ شرحُ الإمامِ المتفنِّنِ شمسِ الدِّينِ البِرْماويِّ الموسومِ بـ:
"اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح"
والذي يُطبع لأول مرة مقابَلًا على أربع نُسخ خطيَّة، معتمَدة في مُجْمَلها في الضَّبط والتوثيق.
جمع فيه الإمامُ البِرْماويُّ بين شَرْحَي الإمامينِ الكبيرينِ الكَرْمَانيِّ والزَّرْكَشِيِّ على البخاريِّ باختصار.
وحذف الكثير ممَّا وقعَ فيهما من التَّكْرار.
ونبه على ما قد يظهرُ أنَّه وهمٌ أو خلافُ الراجحِ المُختار.
مع ضَميمةِ فوائدَ وتنبيهاتٍ لا يُسْتغنى عنها؛ مِنْ وصلِ ما أَهْملا وصلَه من التَّعليقات، وتسميةِ ما أغْفَلاه من تفسيرِ المُبْهمات، والجوابِ عمَّا اعترضَ به الدَّارَقُطْنيُّ والإسماعيليُّ وغيرُهما في الأسانيد والمتون مما ليس من الواضحات، كما نقل فوائدَ تلقَّاها من شيخِ الإسلام أبي
مقدمة / 7
حَفْصٍ البُلْقيني ﵀.
فجاء شرحًا حافلًا بمادَّته العلميَّةِ من ضَبْطِ الألفاظِ، وبيانِ الغَريب، وإعرابِ المُشْكلات، مع ما وشَّحه من التَّنبيهات والفوائدِ بأخصرِ العبارات.
ويكفي المرء احتفاءً أن يرى الإمامَ القَسْطلانيَّ في كتابه الحافل "إرشاد الساري" قد نَقل عنه جُملًا كثيرةً في غالب أحاديث الصحيح، وكذا شيخَ الإسلامِ زكريَّا الأنصاريَّ في شَرْحه على البخاري، وكذا الإمامَ عبدَ الله بنَ سالمٍ البصريَّ في كتابه "ضياء الساري"، وغيرَهم كثير.
ولشُهرة هذا الشرح، وتقدُّم مؤلِّفه، صار يُشار بالنَّقل إليه في شروح البخاري بـ "في البِرماوي"، و"قال البِرماوي"، و"عن البِرماوي"، ونحو ذلك.
بل إنَّ الإمام أبا ذرٍّ أحمدَ بنَ إبراهيم بن السِّبط الحَلبي المتوفى سنة (٨٨٤ هـ) أقام كتابَه الموسوم بـ "التوضيح للأوهام الواقعة في الصحيح" على ثلاثة شُروح هي شرحُ الإمامِ البرماوي هذا، وشرحُ الإمامين الكرماني وابن حجر ﵏ أجمعين (١).
هذا وقد تمَّ -بفضل الله وتوفيقه- تحقيقُ هذا الكتابِ على أربع نُسخ خطية، وهي معتمدةٌ في الضبط والتَّوثيق في مجملها بحمد الله تعالى.
_________
(١) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (١/ ١٩٨)، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة (١/ ٥٥٣).
مقدمة / 8
وتمَّ التقديمُ للكتابِ بترجمة الإمامِ شمس الدِّين البِرماوي، ثم تلاه دراسةٌ عامةٌ عن الكتاب.
وتمَّ تذييلُ الكتاب بِفِهرس أطرافِ الأحاديث النَّبوية الشَّريفة التي شَرَحَها المؤلِّفُ، ثم بفِهرس عناوين الكتبِ والأبواب.
اللهمَّ اجعلنا ممَّنْ يستنهجُ كتابَكَ وسنَّةَ نبِيكَ محمَّد ﷺ، واجعلْ نيَّتَنا خالصةً لوجهكَ الكريمِ في نشرِ السُّنَّة المُطَهَّرة، يدومُ الأجرُ فيها بعد الممات، ونبلُغُ بها منزلةً مرضيَّةً عندكَ، إنَّك وليُّ ذلك والقادرُ عليه، ولا حول ولا قوة إلا بك.
وصلى الله على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
والحمدُ لله ربِّ العالمين.
حَرَّرُه
نور الدين طالب
شوال ١٤٣٢ هـ
مقدمة / 9
الفصل الأول ترجمة الإمام شمس الدين البِرْمَاوي (١)
* أولًا: اسمه ونسبه وولادته:
هو الإمام العلامة المتقن، أبو عبد الله، شمس الدين، محمد بن عبد الدائم (٢) بن موسى (٣) بن عبد الدائم بن فارس (٤) بن محمد بن
_________
(١) انظر ترجمته في: "إنباء الغمر" لابن حجر (٣/ ٤١٤)، و"الضوء اللامع" للسخاوي (٧/ ٢٨٠ - ٢٨٢)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (٤/ ١٣١)، و"حسن المحاضرة" للسيوطي (١/ ٤٣٩)، و"النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي (١٥/ ١٥٢)، و"الأنس الجليل" للعُليمي (٢/ ١١٢)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (٧/ ١٩٧)، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة (١٥٧، ٥٤٧، ١٨٨١، ١٩٢٣)، و"البدر الطالع" للشوكاني (٢/ ١٨١)، و"هدية العارفين" للبغدادي (٢/ ١٨٦)، و" الأعلام" للزركلي (٦/ ١٨٨)، و"معجم المؤلفين" لكحالة (١٠/ ١٣٢).
(٢) قال الحافظ ابن حجر في "إنباء الغمر" (٣/ ٤١٤): وكان اسم والده فارسًا، فغيَّره البِرماويُّ.
(٣) قال السخاوي في "الضوء اللامع" (٧/ ٢٨٠): وسمى شيخنا -أي الحافظ ابن حجر في "إنباء الغمر" (٣/ ٤١٤) - جدَّه (عيسى) سهوًا، انتهى.
وتابع ابنَ حجر ابنُ العماد في "شذرات الذهب" (٧/ ١٩٧).
(٤) وقيل بدل "فارس": "عبد الله"، كما ذكر السخاوي.
مقدمة / 11
أحمد (١) بن إبراهيم، النُّعيمي (٢)، البِرماوي (٣)، العَسْقلاني الأصل، ثم المِصْري، الشافعي.
ولد ﵀ ليلة الخامس عشر من شهر ذي القعدة الحرام، سنة ثلاث وستين وسبع مئة.
* * *
* ثانيًا: نشأته، وطلبه للعلم، وتدريسه:
كان أبوه يؤدِّب الأطفال، فنشأ ابنه طالبَ علم، فحفظ القرآن وكتبًا، واشتغل وهو شاب، وسمع الحديث على إبراهيم بن إسحاق الآمدي، وعبد الرحمن بن علي القاري، والبرهان بن جماعة، وابن الفصيح، والتَّنوخي، وابن الشيخة في آخرين.
وأوَّل ما تخرَّج بقريبه المجدِ إسماعيل، ولازم البدرَ الزَّرْكشيَّ، وتمهَّر به، وحَرَّر بعض تصانيفه، وحضر دروس البُلْقيني، وقرأ عليه، وأخذ أيضًا عن الأبناسي، وابن الملقِّن، والعراقي، وغيرهم.
وأمعن في الاشتغال مع ضيقِ الحال وكثرة الهمِّ بسبب ذلك، وصحب الجلال بن أبي البقاء وخَدَمَه، وناب في الحكم عن أبيه البدر، ثم عن ابن البُلقيني، ثم عن الأَخْنائي، ثم أعرض عن ذلك،
_________
(١) ذكر الشوكاني وتبعه كحالة: "رحمة" بدل "أحمد"، وهو خطأ.
(٢) نسبة إلى نُعيم المُجْمر مولى عمر بن الخطاب ﵁، والذي كان يبخِّر مسجد النبي ﷺ.
(٣) نسبة إلى (بِرمة) بكسر الباء الموحدة، قرية من قرى القاهرة.
مقدمة / 12
وأقبل على الاشتغال، وكان للطلبةِ به نفعٌ، وفي كل سنة يقسِمُ كتابًا من المختصرات فيأتي على آخره، ويعملُ وليمة.
ثم استدعاه النجم بن حِجِّي، وكان رافقه في الطَّلب عند الزَّركشي، فتوجه لدمشق في جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين، فأكرمه وأنزله عنده، وجلس فاستنابه في الحكم وفي الخَطابة.
وولي إفتاءَ دارِ العدل عوضًا عن الشهاب الغَزِّي، ثم تدريس الرَّواحية ونظرها عوضًا عن البرهان بن خطيب عذراء، وتدريس الأمينية عوضًا عن العزِّ الحُسْباني، ودرَّس بها بخصوصها يومًا واحدًا.
وعَكَف عليه الطلبة، وأَقْرأ "التنبيه" و"الحاوي" و"المنهاج" كلَّ ذلك في سنة، وغير ذلك، فاشتهرت فضيلتُه.
وقُدِّر أن مات ولدُه محمد فجزع عليه، وكَرِه لذلك الإقامة بدمشق، فزوَّده ابنُ حِجِّي وكتب له إلى معارفه بالقاهرة، فوصلَها في رجب سنة ست وعشرين، وقد اتسعَ حالُه، وتصدَّى للإفتاء والتدريس والتصنيف، وانتفع به خلقٌ بحيث صار طلبتُه رؤوساءَ في حياته، وباشر وظائف الولي العراقيِّ نيابةً عن حفيده، ولبس لذلك تشريفًا، بل كان عُيِّن لتدريس الفقه بالمؤيدية عوضًا عن الحافظ بن حجر فلم يتم، وكذا كان استقرَّ في مشيخة الفخرية ابن أبي الفرج مِنْ واقِفِها، وفي التفسير بالمنصورية، ثم استنزله عنهما ابنُ حِجِّي.
وحجَّ في سنة ثمان وعشرين، وجاور التي بعدها، ونشر العلمَ أيضًا هناك.
مقدمة / 13
ثم عاد في سنة ثلاثين، وقد عيِّن له بعناية ابنِ حِجِّي أيضًا تدريس الصلاحية ونَظرها بالقدس بعد موت الهَرَوي في آخر المحرم منها، فتوجه إليها وأقام بها قليلًا، وانتفع به أهلُ تلك الناحية أيضًا، ولم ينفصل عنها إلا بالموت (١).
* * *
* ثالثًا: مشاهير شيوخه:
١ - بدر الدين الزَّرْكشي، محمد بن عبد الله بن بَهادر المصري الشافعي، الإمام العلامة، لازم الشيخين جمال الدين الإسنوي وسراج الدين البُلقيني، وقد ترك إرثًا عظيمًا من المصنفات النافعة كـ "البحر المحيط" في أصول الفقه، و"البرهان في علوم القرآن"، و"التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح"، وغيرها. توفي سنة (٧٩٤ هـ) (٢).
وكان الإمام البرماوي قد لازمه، وتمهر به، وحرر بعض تصانيفه، كما قال الحافظ السخاوي (٣).
٢ - سراج الدين البُلْقيني، عمر بن رسلان أبو حفص، الإمام شيخ الإسلام، أخذ عن أبي حيَّان والسُّبكي، وأجازه الحافظان المِزي والذهبي، وأخذ عنه العلماء طبقة بعد طبقة؛ فمن الأولى الزركشي،
_________
(١) نقلًا عن: "الضوء اللامع" للسخاوي (٧/ ٢٨١).
(٢) انظر: "الدرر الكامنة" لابن حجر (٤/ ١٧)، و"النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي (١٢/ ١٣٤)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (٥/ ٣٣٩).
(٣) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (٧/ ٢٨١).
مقدمة / 14
ومن الثانية البرماوي.
اشتهر صيته، وعلا ذكره، وانتشرت مؤلفاته المفيدة كـ "محاسن الاصطلاح"، و"تصحيح المنهاج"، وغيرهما، توفي سنة (٨٠٥ هـ) (١).
وقد كان الإمام البرماوي ﵀ حضر دروس البلقيني، وقرأ عليه غالب دروسه (٢)، وقد ذكره ﵀ في ديباجة كتابه هذا، وأنه أودع فيه فوائد تلقاها من شيخه شيخ الإسلام البلقيني (٣).
٣ - ابن الملقِّن، سراج الدين، أبو حفص عمر بن علي الأنصاري، الإمام المتفنن، أخذ عن أبي حيان والسبكي ومُغُلْطاي، وقد أخذ عنه المؤلف ﵀ والحافظ ابن حجر، وغيرهما، وقد درس وأفتى، وانتشرت مؤلفاته التي تدل على سعة علمه؛ كشرح البخاري المسمى بـ "التوضيح"، وشرح العمدة المسمى بـ "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"، و"شرح المنهاج للنووي"، وغيرها. توفي سنة (٨٠٤ هـ) (٤).
٤ - أبو الفضل العراقي، زين الدين عبد الرحيم بن الحسين،
_________
(١) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (٦/ ٨٥)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (٧/ ٥١).
(٢) انظر: "إنباء الغمر" لابن حجر (٣/ ٤١٤)، قال الحافظ: وقد سمعت بقراءته على الشيخ "مختصر المزني".
(٣) انظر: (١/ ٩).
(٤) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (٦/ ١٠٠)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (٧/ ٤٤)، و"البدر الطالع" للشوكاني (١/ ٥٠٨).
مقدمة / 15
الإمام الحافظ المتقن، محدث الديار المصرية، أكثر من الرحلة في طلب العلم، وكان متواضعًا، لا يترك قيام الليل، اشتهرت مؤلفاته في الحديث وصارت عمدة أهل الحديث بعده؛ كألفيته في الحديث، و"التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح"، و"تخريج أحاديث الإحياء"، وغيرها. توفي سنة (٨٠٦ هـ) (١).
٥ - عز الدين بن جَمَاعة، محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز، الإمام المتفنن، أخذ عن سراج الدين البلقيني وغيره، له مؤلفات كثيرة تدل على سعة علمه وفضله ناهزت المئتين؛ منها شرحه على "جمع الجوامع". توفي سنة (٨١٩ هـ) بالطاعون (٢).
* * *
* رابعًا: مشاهير تلامذته:
١ - جلال الدين المَحَلِّي، محمد بن أحمد، ولد سنة (٧٩١ هـ)، أخذ الفقه وأصوله والعربية عن الشمس البرماوي، وكان مقيمًا معه بالبيبرسية، فكثر انتفاعه به، وأخذ عن البلقيني وابن حجر وغيرهما، وكان إمامًا محققًا، مشهورًا بالذكاء، له مؤلفات عدة منها: "شرح جمع
_________
(١) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (٤/ ١٧١)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (٧/ ٥٥).
(٢) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (٧/ ١٧١)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (٧/ ١٣٩).
مقدمة / 16
الجوامع"، و"شرح المنهاج للنووي". توفي سنة (٨٦٤ هـ) (١).
٢ - شرف الدين المُنَاوي، يحيى بن محمد أبو زكريا، ولد سنة (٧٩٨ هـ)، وتفقه بالبرماوي، وأخذ عن ولي الدين العراقي وغيره، وله مؤلفات عدة منها: "الفتاوى"، و"شرح مختصر المزني"، توفي سنة (٨٧١ هـ) (٢).
وقد قال الحافظ السخاوي: وانتفع به خلق بحيث صار طلبته رؤوساء في حياته.
وقال: وقد انتشرت تلامذته في الافاق ومنهم المحلي والعبادي والمناوي وطبقة قبلهم ثم طبقة تليهم، وحدث بالقاهرة ومكة ودمشق وبيت المقدس، سمع منه الأئمة كالزين رضوان بالقاهرة والتقي بن فهد بمكة، وابن ناصر الدين بدمشق، وروى عنه خلق ﵀ وإيانا (٣).
* * *
* خامسًا: مؤلفاته:
١ - " اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح"، وهو كتابنا هذا، وسيأتي الكلام عنه في الفصل الثاني من هذه المقدمة.
_________
(١) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (٧/ ٤١)، و"البدر الطالع" للشوكاني (٢/ ١١٥).
(٢) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (١٠/ ٢٥٤). و"شذرات الذهب" لابن العماد (٧/ ١٣٢).
(٣) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (٧/ ٢٨٢).
مقدمة / 17
٢ - "جمع العدة لفهم العمدة"، وهو شرح لكتاب "عمدة الأحكام" لعبد الغني المقدسي، وقد لخصه من شرحها لشيخه ابن الملقن من غير إفصاح بذلك مع زيادات يسيرة، كما قال السخاوي (١).
٣ - "الزهر البسام فيما حوته عمدة الأحكام من الأنام"، وهو أرجوزة في نظم رجال "عمدة الأحكام" (٢).
٤ - "سرح النهر بشرح الزهر"، وهو شرح للأرجوزة المتقدمة (٣).
٥ - "النبذة الألفية في الأصول الفقهية"، قال الحافظ ابن الغرابيلي: لم يسبق إلى مثل وضعها (٤).
٦ - "الفوائد السنية في شرح الألفية"، وهو شرح "النبذة"، قال ابن الغرابيلي: شرحها شرحًا حافلًا نحو مجلدين، وكان يقول -أي البرماوي-: أكثرُ هذا الكتابِ هو جملة ما حصَّلت في عمري، قال
_________
(١) ذكره المؤلف في كتابه هذا "اللامع الصبيح"، وذكره له أيضًا: الحافظ ابن حجر والسخاوي وابن قاضي شهبة والعليمي وغيرهم.
(٢) ذكره له الحافظ ابن حجر والسخاوي وابن قاضي شهبة وابن العماد وغيرهم.
(٣) ذكره المؤلف في كتابه هذا "اللامع الصبيح"، وذكره له: الحافظ ابن حجر والسخاوي وغيرهما، وقد أكثر الإمام السفاريني الحنبلي من النقل عن هذه الكتب الثلاثة -أعني: شرح العمدة ونظم رجالها وشرحها- في كتابه المطبوع بتحقيقنا: "كشف اللثام في شرح عمدة الأحكام".
(٤) انظر "شذرات الذهب" لابن العماد (٧/ ١٩٧). وقد ذكره له السخاوي وحاجي خليفة والبغدادي وغيرهم.
مقدمة / 18
السخاوي: استمد فيه من "البحر" لشيخه الزركشي (١).
٧ - "منهج الرائض بضوابط في الفرائض"، وهو منظومة في علم الفرائض (٢).
٨ - "شرح منهج الرائض بضوابط في الفرائض" (٣).
٩ - "نظم ثلاثيات البخاري" (٤).
١٠ - "شرح منظومة ثلاثيات البخاري" (٥).
١١ - "مختصر السيرة النبوية" (٦).
١٢ - "حاشية على مختصر السيرة النبوية" (٧) المتقدم ذكره.
١٣ - "شرح لامية الأفعال لابن مالك" (٨).
_________
(١) ذكره المؤلف في كتابه هذا "اللامع الصبيح"، وذكره السخاوي وابن العماد وابن قاضي شهبة وحاجي خليفة والبغدادي والزركلي.
(٢) ذكره السخاوي وابن قاضي شهبة وحاجي خليفة وغيرهم.
(٣) ذكره حاجي خليفة والبغدادي.
(٤) ذكره السخاوي في "الضوء اللامع" (٣/ ٢٦٤) في ترجمة سليمان بن أبي السعود المغربي، وكذا ذكره العليمي والبغدادي.
(٥) ذكره الزركلي.
(٦) ذكره السخاوي وابن العماد وغيرهما.
(٧) ذكره السخاوي وغيره.
(٨) ذكره المؤلف في كتابه هذا "اللامع الصبيح" في مواضع كثيرة، وذكره له السخاوي، ونقل ابن العماد في "الشذرات" عن ابن الغرابيلي: أنه في غاية الجودة.
مقدمة / 19
١٤ - "شرح الصدور بشرح زوائد الشذور" (١).
١٥ - "تلخيص المهمات على الروضة للإسنوي" (٢).
١٦ - "تلخيص قوت القلوب" (٣).
١٧ - "شرح خطبة المنهاج للنووي" في مجلد كبير (٤).
١٨ - "البهجة الوردية" (٥).
١٩ - "شرح اللمحة البدرية في علم العربية لأبي حيان" (٦).
٢٠ - "المقدمة الشافية في علمي العروض والقافية" (٧).
٢١ - "تلخيص التوشيح لتاج الدين السبكي" (٨).
٢٢ - "ودائع التخالف في وقائع التحالف"، وهو في الحلف والمؤاخاة (٩).
هذا، وقد ذكر الحافظ ابن الغرابيلي: أن الإمام البرماوي كتب
_________
(١) كذا سماه الزركلي، وذكره السخاوي بقوله: "زوائد الشذور" فقط.
(٢) ذكره السخاوي وغيره.
(٣) ذكره البغدادي.
(٤) ذكره العليمي والبغدادي وكحالة.
(٥) ذكره السخاوي.
(٦) ذكره حاجي خليفة والبغدادي.
(٧) ذكره الزركلي.
(٨) ذكره ابن العماد في "الشذرات".
(٩) ذكره في كتابه هذا "اللامع الصبيح" فقط، ولم تشر إليه المصادر.
مقدمة / 20
الكثير، وحشَّى الحواشي المفيدة، وعلق التعاليق النفيسة، والفتاوى العجيبة (١).
* * *
* سادسًا: صفاته وثناء العلماء عليه:
١ - قال الحافظ ابن حجر: كان حسن الخط، كثير المحفوظ، قوي الهمة في شغل الطلبة، حسن التودد، لطيف الأخلاق (٢).
٢ - وقال الحافظ تاج الدين بن الغرابيلي الكَرْكي: هو أحد الأئمة الأجلاء، والبحر الذي لا تكدِّره الدِّلاء، فريد دهره، ووحيد عصره، ما رأيت أقعدَ منه بفنون العلوم، مع ما كان عليه من التواضع والخير (٣).
٣ - وقال الحافظ السخاوي: وكان إمامًا علامة في الفقه وأصوله والعربية وغيرها، مع حسن الخط والنظم والتودد ولطف الأخلاق، وكثرة المحفوظ والتلاوة، والوقار، والتواضع، وقلة الكلام، ذا شيبة نيِّرة، وهمة عالية في شغل الطلبة، وتفريغ نفسه لهم (٤).
* * *
_________
(١) انظر: "شذرات الذهب" لابن العماد (٧/ ١٩٧).
(٢) انظر: "إنباء الغمر" لابن حجر (٣/ ٤١٤).
(٣) انظر: "شذرات الذهب" لابن العماد (٧/ ١٩٧).
(٤) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (٧/ ٢٨١).
مقدمة / 21
* سابعًا: وفاته:
لم يزل ﵀ قائمًا بنشر العلم تصنيفًا وإقراء حتى توفي يوم الخميس الثاني عشر من جمادى الآخرة سنة (٨٣١ هـ) عن سبع وستين سنة، ودفن في القدس بتربة ماملا بجوار الشيخ أبي عبد الله القرشي.
قال الحافظ ابن الغرابيلي: جاور بمكة سنة ثم قدم إلى القاهرة، فوافى موتَ شيخِنا شمس الدين بن عطاء الهروي، فولِّي الصلاحية، وقدم القدس، فأقام بها قريب سنة غالبها ضعيفٌ بالقَرحة (١).
* * *
_________
(١) انظر: "شذرات الذهب" لابن العماد (٧/ ١٩٧).
مقدمة / 22
الفصل الثاني دراسة الكتاب
* أولًا: تحقيق اسم الكتاب:
نصَّ المؤلف ﵀ في مقدمة كتابه على اسم شرحه فقال: وقد سميته: "اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح" (١).
وكذا جاء على طرة النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا المرموز لها بـ "ب"، وعلى طرة الجزء الثالث من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا المرموز لها بـ "ت".
وجاء على غلاف النسخة الخطية لمكتبة فيض الله بتركيا والمشار إليها بـ (الأصل): "اللامع الصبيح في شرح جامع الصحيح"، وجاء في آخرها بقلم الناسخ: "اللامع الصبيح في شرح الجامع الصحيح".
وذكره حاجي خليفة في "كشف الظنون" فقال: "اللامع الصبيح" (٢)، وسماه في موضع آخر بـ "اللامع الصبيح في شرح الجامع الصحيح" (٣).
_________
(١) انظر: (١/ ٧).
(٢) انظر: (١/ ٥١٧).
(٣) انظر: (٢/ ١٥٣٥).
مقدمة / 23