ولما عاد لامرتين إلى باريس - وكان صديقه فيريو قد عين قبله كاتم أسرار في السفارة الفرنسية في البرازيل - شعر بثقل الوحدة يضغط على نفسه، ويزداد ضغطا من يوم إلى يوم، فترامى بين أذرع العرائس الشعرية، وراح ينظم القصائد الكئيبة، التي أكد الشاعر فيما بعد أنه أحرقها كلها.
على أن هناك بضعا من القصائد يرجع عهدها إلى ما قبل العام 1816 ترى مدرجة في ديوانيه «التأملات» و«االتأملات الجديدة»، وهي قصائد ملؤها العاطفة الكئيبة، التي لازمت الشاعر إلى آخر حياته، وقد يكون استوحاها من حبه لهنرييت بوميه، التي أيقظت في قلبه أولى جذوات الحب.
ولا بد هنا من القول أن لامرتين لم يستوح جميع القصائد التي نظمها قبل العام 1816 من امرأة واحدة شاء أن يطلق عليها اسم «إلفير»، بل هو قد استوحى كثيرا منها من تذكره جميع النساء اللواتي استطاع أن يحبهن في مراحل شبابه الأول، أو اللواتي حاول أن يحبهن ولم يستطع إلى ذلك سبيلا.
وكان بوده أن ينشر هذه القصائد قبل العام 1816، قال: «سأطبع أربعة دواوين شعرية صغيرة، فإذا نجحت كنت رجلا عظيما، وإلا فتكون فرنسا قد أضافت إلى دجاليها دجالا آخر.»
لامرتين في طريق المجد
1816-1820
بعد أن تأثر لامرتين بمطالعاته وأسفاره، ونضج فيه الميل إلى المطامح الأدبية الكبرى والمطامح السياسية الواسعة، أصبح وهو في السادسة والعشرين من عمره عاجزا عن أن يهيئ له مستقبلا؛ لأنه إنما كان يعف عن أن يحذو حذو هؤلاء المتملقين، الذين استطاعوا بخنوعهم أن يبلغوا إلى المراكز التي طمحوا إليها وهم دونه معارف وذكاء.
إلا أن الأيام لم تلبث أن وفرت له نوبتين أنضجتاه: نوبة عاطفة، ونوبة فكر، فخرج منهما وهو شاعر العصر الكبير ...
أما أساس هاتين النوبتين فكان نفوذ امرأة، هي جوليا بوشو، زوجة العالم الطبيعي الشهير شارل، عضو مجمع العلوم والمعارف، التي ساعدت لامرتين، من حيث لم يقصد، على أن يفتح لنفسه طريق الخلود، والتي خلدتها قصائده الأولى تحت اسم «إلفير».
جوليا بوشو
Halaman tidak diketahui