Cetusan Dari Kehidupanku
لمحات من حياتي: سيرة شبه ذاتية
Genre-genre
وكان أبي يصحبني وأنا في هذه السن إلى مجلس النواب لأشهد الجلسات من شرفة الزوار، وأذكر أن رئيس المجلس في ذلك الحين كان توفيق باشا رفعت، وكان رجلا رقيق الجسم ضخم الشاربين ووقعت عينه علي في شرفة الزوار، ويبدو أنه تعجب من وجود طفل في مثل سني في هذا المكان، فشهدته يشير إلى الساعي الخاص بالرئاسة ويهمس في أذنه، فإذا بهذا الساعي يصعد ويسألني: من أنت؟ وقلت له وشهدته يعود إلى الباشا ويهمس في أذنه، ويهز الباشا رأسه موافقا.
وحين دخلت كلية الحقوق وجدت الغالبية الكاثرة من الطلبة لم يشهدوا جلسة واحدة لمجلس النواب أو الشيوخ، بل إن أغلبهم لم يذهب إلى البرلمان في حياته ولا مرة واحدة، كان أبي يحرص على أن أكون معه أغلب الوقت دون إخوتي ، أما إخوتي فهم شامل الذي نال الدكتوراة من تولوز بفرنسا، ثم ارتقى في الوظائف بالشركات حتى وصل إلى رئيس مجلس إدارة شركة الأقطان بالإسكندرية، كما كان عضوا بمجلس الشعب في انتخابات 1976م، وكم أسعدني أن أمر معه في الدائرة، فكان الناخبون يقولون لي في وجهي: نحن لا ننتخب أخاك ولا ننتخبك، وإنما ننتخب أباك، وكان قد مر على وفاة أبي قرابة ربع قرن، فقد توفي في يناير 1952م، ولا شك أن أغلب الذين كانوا يقولون لي هذا من أبناء من عرفوه أو من أحفادهم، وكان ربع القرن هذا الذي يفصل بين وفاة أبي وبين الانتخابات فترة كلها هجوم على الباشاوات والسياسيين الذين يمثل أبي فيهم صورة جلية الملامح، ولهذا لم يكن غريبا أن أقول يوما للدكتور ثروت عكاشة وهو وزير للثقافة والإعلام نحن إقطاعيون ولو أن الثورة لم تأخذ منا مليما واحدا ولا سهما من أرض، فنحن لسنا أغنياء، ولكننا إقطاعيون بحب الناس لنا، وبحبنا للناس، وهو إقطاع لم تستطع الثورة ولن تستطيع أن تمسه أو تنقص منه.
وشامل يصغرني بسنتين وبضعة أشهر، فهو من مواليد أبريل 1930م وأنا لا أذكر أحداث اليوم الذي ولد فيه، وإنما نشأت وأنا أجده، وشامل شاعر متمكن وإن كان قليل النشر، وقد نظم الشعر في سن باكرة مع أنه نال بكالوريوس التجارة ويعتبر اليوم من أكبر خبراء الاقتصاد في شئون القطن، وقد نال الدكتوارة في الإصلاح الزراعي، وهو أخي الوحيد وله ابنة (هدى) الحاصلة على ماجستير في الآداب ومدرسة بكلية الآداب، وإبراهيم الحاصل على ليسانس الآداب، ولي بعد ذلك أختان أكبرهما زينات، وأذكر يوم ميلادها ذكرا هشا فقد ولدت بغزالة، وأذكر أن البيت كان هائجا وقيل لي إن ذلك الهياج كان بسبب حالة الولادة، وقد تزوجت زينات ابن عمنا طوسون أباظة الذي تربى في المدارس الإنجليزية، وهذا ما يجعلنا نمازحه ونعتبره خواجة وقد أنجب الزوجان ابنا هو أبو بكر ونال بكالوريوس التجارة، ويعمل بالبنوك، وابنة أسمياها دلبار على اسم جدتي لوالدي، وقد نالت بكالوريوس الطب ولم تعمل بها، وإنما تزوجت وتقيم مع زوجها في أمريكا، وقد نشأت زينات متعلقة بالأطفال منذ صغرها، وإن فيها حنانا لو وزع على الكرة الأرضية لملأها رحمة ومحبة.
وأختي الصغرى هي كوثر، وأذكر مولدها في حلوان، وكنت في التاسعة من عمري، وأذكر في يوم مولدها أن أبي كان جالسا في حجرته وحلا له أن يعلمني بعض كلمات في الإنجليزية فكتب عشر كلمات، وقال احفظ هذه الكلمات، فأخذت الورقة ونظرت فيها لحظة وأعطيتها له، فدهش وقال في غيظ: اسمع أنت لم تكن ترى الورقة، فإن كنت حفظت في هذه اللحظة الوجيزة كل الكلمات فسأعطيك عشرة قروش، وإن أخطأت في كلمة واحدة سأضربك.
وأبي لم يكن ضربني حتى ذلك اليوم إلا مرة واحدة يوم أخبرته المربية العجوز أنني أذهب إلى المدرسة دون أن أغسل وجهي، ولهذا وقع تهديده من نفسي موقعا مخيفا، ولكن الله ستر وأخذت القروش العشرة.
وكوثر أختي كانت تعتبرني المربي الأول لها، فقد كنت أخالطها أكثر مما تخالط أبي، ولهذا كانت في طفولتها تخشاني ولكن ما لبثت هذه الخشية أن زالت مع الزمن وحل مكانها الحب الذي يكون بين أخ وأخته لا يرنق صفاءه شيء، وقد تزوجت كوثر من الطبيب الشهير أحمد عبد العزيز إسماعيل نجل الطبيب العملاق الأشهر عبد العزيز باشا إسماعيل، وقد أنجبا بنتين هما سناء، وهي حاصلة على الدكتوراة من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وتدرس بها، وهي متزوجة من المهندس شريف نجل المستشار العظيم الخريبي بك، وأختها وفاء حاصلة على الماجستير من نفس الكلية وزوجها د. محمد الخولي طبيب أطفال وابن الطبيب الشهير الدكتور الخولي، كما أنجبت أختي وزوجها ابنهما الوحيد عبد العزيز وهو مهندس.
تلك هي أسرتي، وقد شهد أبي زواج زينات وزواج كوثر، وقد صحبها زوجها إلى أمريكا بعد الزواج مباشرة ليكمل دراسته بها، ولم يشهد أبي زواج شامل فقد تم بعد وفاته، ولو كان شهده لفرح به وباركه كل المباركة، فقد اختار شامل شريكة حياته ابنة محمود فهمي النقراشي باشا الذي كان صديقا لأبي في مطالع شبابهما، ثم افترق الصديقان فترة حين نشأ حزب الأحرار الدستوريين عام 1922م وكان أبي من منشئيه وأصبح أبي حرا دستوريا، وظل النقراشي باشا في الوفد حتى خرج عليه هو وأحمد ماهر باشا عام 1938م ليكونا حزب الهيئة السعدية، وقد ألف النقراشي باشا الوزارة، وكان أبي وزيرا فيها معه، ونال الباشوية فيها وعادت الصداقة تربط بينهما من جديد كأنهما ما تفرقا، وظلا صديقين حميمين إلى أن استشهد النقراشي باشا على يد أحد مجرمي الإخوان المسلمين.
الفصل الثاني
تراني أسوق إليك الحديث في عفوية ودون إعداد، فأنا لم أضع خطة للحديث إليك، وإنما أترك حياتي تتواكب في ترسل تمسك فيها الواقعة بالواقعة والمناسبة بالمناسبة، وما هكذا عهدت الكتب التي كتبت في السيرة الذاتية، ولكن أي بأس علي وأي بأس عليك أن يكون حديثنا حديث صديق لصديق أو أخ إلى أخيه في غير تنسيق أو تبويب أو تجمل. فخذ بيدي ولنمض معا على هذا الطريق، وأنا وإياك على فيض الكريم.
كان من بين الجماعة التي تنظم حفلة تأبين حافظ إبراهيم الأستاذ العظيم كامل الكيلاني، وكان في هذه الأيام قد بدأ كتابة مؤلفاته الرائعة في أدب الأطفال أو قصص الأطفال إن شئت، وهي مكتبة ليس لها مثيل في الأدب العربي أجمع، فقد استطاع الأستاذ الكيلاني أن يبسط الأدب العالمي ويجعل الطفل في سن باكرة يتعرف على أمهات هذا الأدب، وقد كانت أعظم هدية أتلقاها من أبي في هذه الفترة هي كتب كامل الكيلاني، وأذكر وأنا في الثامنة من عمري أن الأستاذ الكيلاني أهدى عشرة كتب من مؤلفاته إلى أبي وأعطاني أبي الكتب، ودخلت إلى غرفتي وانبطحت أرضا، وبدأت أقرأ الكتب فما زلت بها حتى أتيت عليها وأنا في عالم سحري عجيب. أعتقد أن هذه السنوات كانت أجمل سنوات حياتي وأجمل أوقاتها هي تلك التي بدأت فيها أتعرف على الكتاب وأصاحبه صحبة دامت حتى يومنا هذا.
Halaman tidak diketahui